“من أجل مزيد من الوعي، من أجل المزيد من التواصل الفعّال، من أجل نشر الفتاوى الصحيحة بالفيديو، تابع حساب دار الإفتاء المصرية على تيك توك..”، بهذه العبارات أعلنت دار الإفتاء المصرية، قبل نحو 3 أسابيع تدشين حسابها الرسمي على تطبيق تيك توك، خاصة أن هذا التطبيق يستهدف شريحة كبيرة من المجتمع، أغلبهم من الشباب وصغار السن، واشتهر مؤخراً بالفيديوهات المثيرة، التي غالباً ما ينتشر عليها المحتوى الجنسي، تلميحاً أو تصريحاً، وقد شهدت ساحات المحاكم في الأشهر الأخيرة أحكاماً نافذة تخص بعض من ينشرون الرزيلة عبر هذا التطبيق.
دار الإفتاء المصرية التي أعلنت في العام 2019 من خلال مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، التابع لها، أن “تيك توك” تستخدمه التنظيمات الإرهابية، و يحتوى على مشاهد قتل ودماء، وعلى الأسر المصرية أن تحذر أبناءها من استخدامه، مؤكدة أن تطبيق الفيديوهات القصيرة الذي ينشر محتوًى ترفيهيًّا، نشطت عليه مؤخرًا بشكل مكثف دعاية للجماعات الإرهابية، التي تستفيد من التكنولوجيا والتطبيقات الحديثة في نشر أفكارها وعملياتها الإرهابية، والانتشار السريع للتطبيق وعدد ونوعية الأشخاص الذين يتفاعلون عليه، فئات مستهدفة للجماعات الإرهابية، فالتطبيق في غضون عام واحد فقط من إطلاقه” 2016″ ، يحتوي على 100 مليون مستخدم و1 مليار مشاهدة فيديو يوميًّا.
رأى دار الإفتاء في 2019 تغير كثيراً في 2021، وتحديداً في 17 أغسطس الماضي، فقد دشنت رسمياً صفحتها على تيك توك، وتجاهلت أو تناست كل ما ذكرته من قبل، وكأنها تراهن على ذاكرتنا، وسوف ننسى ما قالته وكتبته عن التطبيق وخطورته وتأثيره على الشباب، وفضلت أن تتفاعل مع التريند، ويصبح لها حساباً موثقاً على موقع الفيديوهات القصيرة، حتى لو كان يمثل جهة علمية رسمية، أمينة على الفتوى مثل دار الإفتاء المصرية.
أتصور أن وقار دار الإفتاء المصرية، ومكانتها في المجتمع المصري، كان يجب أن تكون جزء من حسابات الأشخاص الذين اتخذوا قرار تأسيس حساب لها على تيك توك، قبل الإقدام عليه، خاصة أن التطبيق، وإن كان يستحوذ على مئات الملايين في مصر والعالم، إلا أنه سيئ السمعة، وارتبطت صورته الذهنية لدى أغلبنا بالمحتوى غير المنضبط، وهذا أقل وصف يمكن أن نتكلم عنه.
بشكل شخصي لست ضد تطبيق تيك توك على الإطلاق، ولا أهاجم دار الإفتاء على تأسيس صفحة عليه، لكنني ألوم التسرع في إصدار الفتاوى والأحكام، وإطلاق التحذيرات، فالدار التي حذرتنا من التطبيق ودعت أولياء الأمور إلى مراقبة أبنائهم خوفاً منه، هي ذاتها التي تدعونا اليوم للتفاعل معه، لذلك أتمنى من الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، وهو قامة علمية كبيرة، أن يضبط الأمور ويسيطر على الفتاوى المتناثرة هنا وهناك، والتحذيرات المعلنة والغاضبة بين الحين والآخر، دون تحقق أو روية، فالفتوى لا يجب أن تصدر تحت ضغط، أو من أجل مسايرة التريند، ولعلى أذكر فتوى جمع الصدقات وأموال الزكاة من أجل تزويج غير القادرين، التي جاءت ناقصة وغير مدروسة، مطلع الأسبوع الجاري.
صحيح قد تتغير الفتوى بحكم الزمان والمكان، وظروف العصر، إعمالاً لفقه الواقع، لكن الملاحظ على أداء دار الإفتاء خلال الشهرين الماضيين التسرع والعجلة، وهذه أمور أظنها لا تناسب مؤسسة إفتائية عريقة، لذلك يجب أن تراجع الدار ما تقول جيدأً وتتبع المنهج العلمي، ولا تصدر فتوى جديدة تنسخ القديمة دون الإشارة لذلك، وألا تنجرف خلف السوشيال ميديا والأخبار الأكثر رواجاً، فدورها إفتائي علمي متخصص وليس إعلامي، كما تحول مؤخراً.
بقلم محمد أحمد طنطاوي