موقع مصرنا الإخباري:
تجريم التنقيب عن الآثار وفقاً للمادة 42 من قانون حماية الآثار المصري رقم 91 لسنة 2018 والتي تنص على أن يعاقب بالسجن المشدد كل من قام بالحفر خلسة أو بإخفاء الأثر أو جزء منه بقصد التهريب، أما إذا أجرى أعمال الحفر بقصد الحصول على الآثار دون ترخيص أو اشترك في ذلك، فقد عاقبت المادة 44 من القانون بالسجن المشدد، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مائة ألف جنيه».
وبالرغم من ذلك دائما ما نسمع عن قيام الأجهزة الأمنية بالقبض على مجموعة أشخاص لقيامهم بالتنقيب عن الآثار أسفل عقاراتهم بمختلف المحافظات المصرية، نتساءل كيف بدأ الأمر؟ ومن أين أتوا بهذا الفريق من المنقبين أو الشيوخ ومن وفر لهم الأجهزة؟
“بوابة أخبار اليوم”، حاولت البحث عن فريق متخصص للتنقيب عن الآثار عبر إعلانات السوشيال ميديا، لنتفاجأ بوجود مجموعات سرية على مواقع التواصل الاجتماعي تروج لعمليات البحث عن الآثار، سلسلة كبيرة تضم شيوخ وباحثين، إضافة إلى أصحاب أجهزة متخصصة للكشف عن المعادن والحوائط الأثرية، يعلنون عن نشاطهم عبر «فيسبوك» وكأنهم يروجون لسلعة عادية دون رهبة منهم أو رقابة عليهم.
«ن.ع» أحد الأشخاص العاملين في مجال التنقيب، يوفر لراغبي البحث عن الآثار أسفل منازلهم فريق من العاملين وأجهزة متخصصة للتأكد من وجود معادن، بجانب الاستعانة بالشيوخ لمعرفة كيفية الحصول على تلك القطع الأثرية، ولكن كل شيء بثمنه.
بينما يوفر «س.ح» إيجار أجهزة للكشف والمسح الأرضي مثل جهاز «روفر سي 4»، كاشف المعادن الألماني بنظام التصوير ثلاثي الأبعاد هو آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا الألمانية في مجال كشف الكنوز الدفينة بنظام تصوير يصل إلى عمق 25 متر تحت الأرض بسعر 7000 جنيه في اليوم، وهناك أيضاً جهاز يسمى «جراوند نفجيتور» أعمق وأعلى في الكشف عن الآثار وبنفس السعر، حيث تصل فاعلية الجهاز إلى اختراق 40 متر تحت الأرض، وفي الحديث أخبارنا أن جهاز «جراوند نفجيتور» أثبت فاعليته في إحدى المنازل التي تنقب عن الآثار حاليًا في شارع المطراوي العمومي المتفرع من ميدان المطرية.
الدكتور محمد عبد المقصود الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، يقول إن عمليات التنقيب عن الآثار جريمة يعاقب عليها القانون، ولاتزال هذه النوعية من الجرائم مستمرة بل وتزداد مع اختفاء الوعي وهوس الحصول على الكنز المرتبط دائما باقتناء قطع أثرية.
ويضيف عبد المقصود، أن القوانين لا تبيح عمليات التنقيب عن الآثار سوى للمجلس الأعلى للآثار فقط، ولكن بعض اللصوص والدجالين والسحرة يروجون لمثل هذه العمليات فدائمًا ما ترتبط عمليات التنقيب الطماعين الذين يتم استغلال أطماعهم من قبل النصابين لينتهي الأمر بكارثة وجناية تؤدي إلى وفاة الكثير من المواطنين تحت أنقاض الحفر التي تمتد لأعماق كبيرة، متابعاً أن أغلب عمليات الحفر داخل المنازل القديمة تسفر عن وقوع عشرات الضحايا والمصابين، خاصة أنها تتسبب في انهيار تلك المنازل والمنازل المجاورة لها بسبب الحفر العميق وغير المدروس من قبل المنقبين.
ونوه عبد المقصود إلى خروج أغلب المنقبين عن الآثار من القضايا لأن أغلب عمليات التنقيب لا يسفر عنها وجود قطع أثرية ولكن يتم محاكمتهم على أعمال حفر غير القانونية، وفقاً للطعن رقم 1827 لسنة 80 الصادر من محكمة النقض المصرية والذي جاء فيه: «لا جريمة ولا عقوبة على المتهمين بتهمة التنقيب عن الآثار ما دامت المنطقة التي تم التنقيب فيها ليست مسجلة كمنطقة أثرية». وشدد الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار على منع تداول واستخدام أجهزة الكشف عن المعادن، والألغام، حيث يتم استغلال تلك الأجهزة في البحث عن الآثار والعملات المعدنية الأثرية من قبل ضعاف النفوس.
اقرأ أيضا|
قضية الآثار الكبرى.. تهريب عبر حاويات دبلوماسية و«السماسرة» مسؤولون أجانب
ويقول الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إن عمليات التنقيب غير الشرعية والتي تتم داخل البيوت أمر معقد جداً، وتمثل صعوبة في المعرفة لعدم امتلاك أحقية المجلس الأعلى للآثار دخول المنازل التي يتم بها أعمال الحفر، دون بلاغ رسمي لشرطة السياحة والآثار ليستصدر إذن النيابة للتوجه لمكان الحفر.
ويتابع وزيري متسائلاً: «كيف للمجلس الأعلى للآثار معرفة أن هناك فرد يقوم بالحفر والتنقيب أسفل منزله؟ فالمجلس يقوم بالإشراف على المناطق الأثرية بشكل صارم وتقع حمايتها تحت الأمن العام وشرطة السياحة والآثار والداخلية ولا يمكن التنقيب في تلك الأماكن، لذا تظل عمليات التنقيب في الخفاء».
وبسؤاله عن هل تم رصد مجموعات سرية عبر موقع التواصل الاجتماعي «الفيسبوك»؟ أردف وزيري أن أغلب المروجين لعمليات التنقيب شبكات نصب لاصطياد فرائسها المختلفة، وأفعال يحاسب عليها القانون، مؤكداً على متابعة تلك النوعية من المجموعات والفيديوهات المنشورة عن التنقيب والحفر أسفل العقارات وتقديمها للمحاكمة.
اقــرأ أيضــا:
حوار| رئيس «الآثار المستردة»: استرجعنا 27 ألف قطعة في 6 أعوام
أما الأستاذ صابر غازي مدير إدارة التعديات بقطاع الآثار المصرية، يشير إلى أن كل منطقة يقع على عاتقها حماية احتمالية وجود آثار في نطاقها، وينفذ ذلك من خلال برامج المرور والدوريات لمفتشي الآثار وحراس الأمن.
ويوضح غازي أن عمليات «الحفر خلسة» التنقيب لا يمكن اكتشافها بسهولة لأنها تتم في سرية تامة داخل المنازل، وقطاع الآثار ليس له ولاية عليها، لأنها تتم على أراضي ليست تتبع الآثار أو منطقة أثرية، لذا يجب نشر الوعي لدى المواطنين في الإبلاغ عن هذه الجرائم قبل أن تنتهي بكارثة وحالات وفاة.
تابع غازي أنه يوجد مناطق تكثر بها عمليات «الحفر خلسة» عن غيرها مثل المطرية وعين شمس والجيزة وصعيد مصر، وذلك لأنها مناطق مشهورة بالآثار سابقاً، بينما تقل عمليات التنقيب في الوجه البحري مثل كفر الشيخ والبحيرة، مؤكداً أن الفترات الأخيرة شهدت زيادة في عمليات التنقيب بسبب لهث المواطنين وراء حلم الثراء السريع علماً بأن دار الإفتاء، عبر موقعها، أكدت أنه لا يجوز المتاجرة بالآثار أو التصرف فيها بالبيع أو الهبة أو غير ذلك من التصرفات حتى لو وجدها الإنسان في أرض يمتلكها، وأن الاحتفاظ بالآثار؛ سواء كانت تماثيل أو رسومًا أو نقوشًا،جريمة يعاقب عليها القانون مشيرة إلى أن الآثار تعتبر من الأموال التي يتضرر مجموع الأمة لو اقتصر تملكها على بعضهم وتصرف فيها بما لا يحقق المصلحة العامة، فمثلها في ذلك كالماء العِدِّ والمعادن وما لا يستغنى عنه؛ لما لها من قيم تاريخية وحضارية وعلمية واقتصادية تصب جميعها في مصلحة المجتمع ونمائه وتقدمه.