“انت أخويا يا فتحي، إحنا اخوات يا صلاح، عشان إحنا رجالة”.. عبارات أُفرغت من مضمونها وعكست واقعًا مغايرًا لدراما اجتماعية غير إنسانية تناولتها أحداث فيلم “الحرامي والعبيط” قدم فيه الفنان خالد الصاوي شخصية “صلاح الحرامي”، الذي لم يتردد في الاحتيال على “فتحي العبيط”، ليستولي على كليته وقرنيته مقابل وجبة فراخ!، في واحدة من أبشع الجرائم.
تجارة الأعضاء
تناولت أحداث الفيلم قضية التربح بالمعاقين والمتاجرة بأعضائهم، من خلال استدراج واستغلال رجل مجذوب فقد عقله نتيجة صدمة، لتأتي الخاتمة بموت الحرامي برصاصة طائشة من يد “العبيط”، استقرت في صدره، بعيدا عن يد القانون والعقاب.
الاستغلال الجنسي
“بطن كريمة أوجع.. مأروس(محروس) أوجع بطن كريمة”.. كلمات ستبقى في ذاكرة السينما أيضا، لتعيدنا لأحداث فيلم “توت توت”، الذي لعبت فيه الفنانة نبيلة عبيد دور “كريمة”، تلك الفتاة الجميلة والمعاقة ذهنيا، التي تجوب الشوارع بدمية صغيرة، إلى أن يتم استدراجها واغتصابها من رجل غني يدعى “محروس” بعد أن نجح في مراوغة عقلها الغائب بقطعة بسبوسة تسببت في حمل حرام.
المعالجة الدرامية بعيدا عن القانون
ولأن النهايات والمعالجات الدرامية في معظم الأعمال التي تناولت قضية استغلال المعاقين ومحاولة التربح من أوجاعهم وعجزهم، لم تكن نهايات رادعة تحت مظلة القانون، كالحكم بالإعدام على “محروس” مثلا أو بالمؤبد على “صلاح”، لذا باتت قضية استغلال ذوي الاحتياجات الخاصة، أشبه بدراما تركية ممتدة الحلقات.
20 عاما مع استغلال الأخ لشقيقته الكفيفة.
ومن شاشات العرض السينمائي إلى رصيف المنيل، حيث تجلس أسماء، التي لا تعرف من لغة الحوار سوى الضحك بلا أسباب، في هيئة تشبه المشردين والمجاذيب.
البداية كانت قبل ٢٠ عاما عندما توفى الوالدان، وهو ما جعل “أسماء” التي كانت في العاشرة من عمرها، فريسة سهلة لأخيها الأكبر الذي لم يتردد في طردها من البيت دون مراعاة لإعاقتها العقلية وصغر سنها.
ولأنها طفلة كفيفة ومعاقة ذهنية، أدرك الأخ أنها الدجاجة التي ستبيض ذهبا وربما الفانوس السحري الذي سيفتح له خزائن كسرى.
على قارعة الطريق وسط ظلام دامس وضحكات المعاقة، ألقى الأخ بأخته بعد أن حذرها من مغادرة المكان حتى يعود، وإلا ستلقى ضربا مبرحا، وهو ما جعلها تستجيب للتحذير،٢٠ عاما حتى وصلت لسن الثلاثين.
20 عامًا تحتمي الفتاة بعصاة تمسك بها في يدها، تجمع النقود في كيس أسود بلا هدف، غير أنها لا تدرك ما تفعله أو ما يحاك لها من أخيها، في الوقت ذاته لم ينشغل الأخ بمصير أخته المشردة، واكتفي فقط بأن يأتيها كل مساء ليستولي على جمعته، ثم ينصرف.
20 عاما من تسول أسماء، كانت كفيلة بشراء بيت جديد من 4 طوابق، للأخ العاطل، في الوقت الذي كان يرتفع ويتضاعف صراخ الأخت التي كانت تستغيث من بطش وتعديات لصوص الليل، خوفا على المال وغضب أخيها – بحسب شهود عيان قرروا أخيرا ومؤخرا، عتق الفتاة وإيداعها في إحدى دور الرعاية.
التسول بضحايا الضمور
وعلى رصيف آخر من أرصفة الحرام، ومن فوق كرسي متحرك، جلس “يوسف” ذلك الطفل الكبير، يحرك رأسه وذراعيه بشكل عشوائي لافت يوشي بأنه من ذوي الحاجات الخاصة.
حالة الطفل الكبير الذي يعاني من ضمور العضلات وإعاقة ذهنية، جعلته يفشل في دفع الذباب المزدحم على وجهه، مثلما فشل في منع لعابه الذي سال وهو ينظر لشاب مفتول العضلات وقف بجانبه ممسكا بزجاجة مياه غازية يطفئ بها نار صيف حارق لم يستح من ظمأ معاق.
يدان متسختان وقدمان حافيتين وملابس بالية يتدلى منها كيس قسطرة ورائحة تؤكد أن المعاق لم تلامس جسده المياه منذ شهور وربما سنوات، رغم وجود سيدة خمسينية تدعي أنها أمه وتجلس على بعد أمتار تحت شجرة تستظل بها، في حين يتصبب يوسف عرقا على قارعة طريق الميثاق، دون ورقة تقي رأسه حرارة تجاوزت الأربعين.
التربح بسيارات المعاقين
تتشابه النوايا وتتعدد الوسائل وتختلف الوجوه ولكن تبقى الجريمة واحدة، والجناة طلقاء أحرار، أما العجزة فلا زالوا تحت قيد الاستغلال والفقر، وهو ما جعل مصطفى سليمان ٣٨(عاما – معاق)، يعترف بتقصير أمه وخطأه.
“اقنعني جاري بأن لي الحق في استخراج جواب من الكومسيون الطبي يفيد بعجزي عن الحركة لأني مصاب بشلل أطفال، وأن هذا الجواب سيمكنني من شراء سيارة مجهزة للمعاقين ومعفاة من الضرائب” – وفق رواية الشاب.
يضيف مصطفى.. أخذت الجواب وأنهيت إجراءات السيارة وكتبت على نفسي شيكات لجاري الذ أصبح مالكا للسيارة بعد أن دفع لي٥٠٠٠ جنيه، وللأسف ندمت أشد الندم.
لماذا تنازلت عن السيارة خاصة وأن المقابل غير مجز؟.. “يا أستاذة: أنا ساكن في بولاق وشاري البطلون والقميص دا من “البالة” بـ٣٠ ج، لا خاطب ولا هتجوز، وداخل على الأربعين ومتعين ضمن الـ ٥% معاقين بـ ٣٥٠ ج أول عن آخر، وتقولي عربية؟.
ينصرف المعاق الذي توكأ على عكاز خشبي قديم كساه بلفافة من القماش لم تحمي ضلوعه من التمزق وهو يردد :”الله يرحمك يا أمي كان فيها إيه لو طعمتيني”.
الفتى الأزهري يقع في فخ التسول
ولأن شر البلية ما يضحك.. ضحكنا وبكينا مع الشيخ ابراهيم، طالب في كلية الشريعة، بدرجة شحاذ “أحيانا”!.
يخبرنا الشيخ إبراهيم “كفيف”، أنه كان يعتمد كليا على جار صغير، لم يبلغ الـ16 من عمره، كان يلازمه كـ ظله، خاصة في فترة الامتحانات، حيث يصطحبه فتى الأزهر، في اللجان ليكتب ما يمليه عليه من إجابات في فترة الامتحانات.
وبخفة دم لا تفارق شخصية أصحاب البصيرة من المكفوفين، يستكمل فتى الأزهر.. “هرم كان بيستعميني وفاكرني الشيخ حسني” ويسحبني للكلية، وهو فارد عليا المنديل وبيشحت ويملى جيوبه، حتى افتضح أمري واشتهرت بالتسول بين الرفاق في الجامعة وأنا كما الأطرش في الزفة.
أحمد كريمة: التسول بالمعاقين شكايا ضد الله
ولأن أعداد الضحايا المعاقين أصبح مرشحا للزيادة، توجهنا لأولي العلم فكانت فتوى دكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، ليؤكد: التسول بالمعاقين جريمة محرمة ومجرمة ومحظورة في الشريعة الإسلامية، لأن التسول يتنافى مع كرامة الإنسان الذي كرمه الله، كما أن التسول يهدر عزة المؤمن “ولله العزة ورسوله وللمؤمنين”.
يشدد رجل الدين، على أن التسول بالأطفال والمعاقين، يعد شكاية ضد الله عز وجل، ويتنافى مع عقيدتنا التي تحض على الصبر وتحمل الابتلاء وتحري الحلال.
وينتقل الشيخ بالحديث ليجيب عن زاوية أخرى.. المتاجرة بسيارات المعاقين مخالف أيضا للشريعة الإسلامية وهي تجارة محرمة ومجرمة وفيها “قول زور” وأكل مال الدولة بالباطل، وعلى الجميع أن يدرك أن حرمة المال العام كحرمة الخاص وأن الفقر لا يشفع لخيانة الأمانة.
“أناشد أجهزة الدولة، بمنع وتجريم التسول، لأن فيه إساءة بالغة لمصر نظاما وحكومة وشعبا، كما أطالب بتغليظ العقوبة وتطبيقها بكل حسم وحزم مع من يستغل مريضا، أما أصحاب الصدقات فعليكم بالذين لا يسألون الناس إلحافا” – مناشدة الشيخ لكل من يهمه الأمر.
المصدر بوابة الاهرام