موقع مصرنا الإخباري:
أقامت شركة “ڤيكا” الفرنسية للإسمنت، المساهم الرئيسي في شركة “إسمنت سيناء” منذ عام 2003، دعوى ضد الحكومة المصرية أمام مركز تسوية منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولي “إكسيد”، تطالب فيها بتعويض مالي كبير جراء ما وصفته بالتضييق على مصالحها ودفعها للتخلي عن أسهمها لیستحوذ علیها الجيش بحجة “الحفاظ على الأمن القومي المصري”، ومنعها من ممارسة صلاحياتها القانونية بدعوى تعارض تملكها لحصة الأكثرية من الشركة مع قانون محلي يحظر تمليك الأجانب أراضي شبه جزيرة سيناء.
وتكشف تفاصيل القضية أنّ الجيش والمخابرات العامة يسعيان إلى امتلاك حصة كبيرة من أسهم شركة “إسمنت سيناء” التي كان قد أسسها رجل الأعمال حسن راتب، المحبوس حالياً على ذمة اتهامات بتمويل التنقيب عن الآثار والاتجار فيها مع النائب الأسبق علاء حسانين. علماً بأنّ راتب سبق أن تخلى عن نسبة كبيرة من حصة أسهمه في الشركة، بحيث يمتلك حالياً نحو 11 في المائة فقط من الأسهم، معظمها باسم شركته الأصلية “سما” والباقي الآخر باسمه، بينما تحتفظ “ڤيكا” الفرنسية بنحو 41 في المائة من الأسهم بعدما كانت تملك منذ عامين تقريباً نحو 56 في المائة، قبل أن تُجبر -كما تقول- على بيع أسهمها لأشخاص آخرين لإنجاح مشاريع الشركة ووقف تضييق الجيش والمخابرات عليها.
وأشارت المصادر “، إلى أنّ هدف الاستحواذ على شركة “إسمنت سيناء” التي تعمل بالقرب من العريش، جعل كلاً من الشركة الفرنسية وراتب هدفين دائمين لتضييقات متصاعدة خلال السنوات الماضية، انتهت بالقبض على الأخير. وكشفت المصادر أنَّ راتب عرض بواسطة مقربين منه أخيراً التنازل عن معظم حصته مع مبالغ مالية ضخمة وحصص أخرى من مشاريعه السياحية للدولة ممثلة في أي من الجهات الرسمية التي ترغب في توسيع ملكيتها، مقابل خروجه من قضية الآثار، لكن الاتفاق لم يتم إلى الآن.
وبحسب المصادر، بدأت محاولات الجيش للاستحواذ على أسهم الشركة، وبالتحديد الحصة الفرنسية، بإصدار قرار وزير الدفاع رقم 66 لسنة 2018، والذي سمح فقط بالتملك في منطقة شبه جزيرة سيناء “للأشخاص الطبيعيين من حاملي الجنسية المصرية وحدها من دون غيرها من أي جنسيات أخرى، ومن أبوين مصريين، وللشخصية الاعتبارية المصرية المملوك رأس مالها بالكامل للمصريين حاملي الجنسية المصرية، وحدها من دون غيرها من الجنسيات الأخرى، ومن أبوين مصريين”. وبالتالي، أصبحت الشركة الفرنسية غير مؤهلة للامتلاك، لكنها تحايلت بتأسيس شركة مساهمة مصرية جعلت على رأس مالكيها مواطنين مصريين.
وبدلاً من التنازل للجيش أو المخابرات عن الأسهم، تحالفت الشركة الفرنسية مع إحدى المساهمات من مالكي الحصص الصغيرة في الشركة، لشراء عدد من الأسهم بما يسمح لهذا التحالف بإدارة الشركة وتوجيه سياساتها، بعدما لاحظت جنوح عدد من المساهمين لبيع حصصهم لجهات وأشخاص مجهولين، بدا أنهم واجهات لجهات سيادية، ليبدأ فصل جديد من التصعيد المصري ضد الشركة.
فبإيعاز من الجيش والمخابرات، فتحت هيئة الرقابة المالية تحقيقاً موسعاً مع ممثلي الشركة الفرنسية في مصر، واتهمتهم بغسل الأموال والارتباط ببعض الدوائر المشبوهة الضالعة في تمويل الإرهاب وجماعة الإخوان المسلمين، مستغلةً أنّ المساهِمة التي تحالفت معها الشركة، وتدعى أسماء غريب، هي شقيقة زوجة أحد رجال الأعمال المتهمين بتمويل جماعة “الإخوان” ويدعى أنس محمود فوزي، والمدرج على قائمة الإرهاب في القرار الخاص بقضية تمويل الجماعة 653 لسنة 2014 حصر أمن دولة عليا، مع نجم كرة القدم السابق محمد أبو تريكة، ورجل الأعمال صفوان ثابت وغيرهم. وكان فوزي عند اتهامه بتمويل الإخوان، يرأس مجلس إدارة شركة “إنفوكاست ميدل إيست” لأنظمة المراقبة، ويدير شركة “ساينتك” للخدمات اللوجيستية في مجال البترول.
وخلال العامين الماضيين، وبعد دخول الجيش بقوة مضمار المنافسة بمصنع بني سويف العملاق للإسمنت، واحتكاره تموين احتياجات مشروعات الدولة الرئيسية وزيادة فائض السوق ليتجاوز المعروض الطلب بأكثر من 35 مليون طن، مما أدى إلى تراجع عائدات شرکات الإسمنت المصرية بشكل عام، أرادت “ڤيكا” إنعاش موارد شركة “إسمنت سيناء”، فباعت لمساهمين آخرين 15 في المائة من الأسهم، لكنها ظلّت تحتفظ بالحصة الأكبر.
ويمثّل هذا الأمر سبباً آخر للشركة الفرنسية للجوء للتحكيم الدولي، فاحتكار المشروعات من قبل مصنع الجيش ببني سويف، أدى إلى انخفاض الطلب على إنتاج باقي المصانع سنوياً باطراد، بأكثر من 20 في المائة قياساً بما كان عليه عام 2016، في ظل تأخر تدخل هيئة حماية المنافسة ومكافحة الممارسات الاحتكارية، التي وافقت مطلع الشهر الحالي فقط على طلب مقدم من 23 مصنّعاً لخفض الإنتاج مؤقتاً للمساعدة في تقليل تخمة الإنتاج.
لكن “ڤيكا” وغيرها من الشركات الأجنبية المستثمرة في المجال، ترى أنّ القرار لا يلبي مطالبها بالكامل، ويضمن بشكل ما استمرار الجيش في التحكّم في الصناعة، فضلاً عن إعطائه الفرصة للتوسّع في شراء حصص المساهمين في الشركات الأخرى من دون رقابة، وبالتالي، فإنّ الخصم في هذه الحالة يكون هو الحكم أيضاً باعتبار أنه لا توجد هيئة رسمية في مصر تستطيع التصدي لمخططات الجيش بالتوسع الاقتصادي في هذا المجال أو غيره.
وقالت المصادر إن “ڤيكا” حاولت حلّ الإشكاليات المعطلة لأعمالها في مصر بالطرق السلمية، من خلال توسيط السفارة الفرنسية في مصر وبعض المسؤولين الفرنسيين، لكن محاولاتها باءت بالفشل نهائياً في مايو الماضي، فأبلغت الشركة حكومتها بأنها ستقاضي مصر لتكون هذه الخطوة مقدمة لأحد طريقين؛ إما أنّ تشكل الدعوى ضغطاً على الجهات التي تستهدفها فتوقف مضايقتها وتعود الأمور لسابق عهدها، أو تستطيع الحصول على أكبر قدر من المكاسب المالية من الدعوى، فيسهل عليها الخروج من السوق المصرية وبيع حصتها بأقل قدر من الخسائر.
ويوضح التشكيل الجديد لمجلس الإدارة الغرض الحقيقي من إدخال التعديلات. ففي السابق كان القانون الساري حريصاً على الموازنة بين العناصر العسكرية والمدنية في اتخاذ القرار، بما يعكس ظروف مصر وقت إصداره (2012)، فكانت تمثل في المجلس وزارات الزراعة والري والإسكان والكهرباء والسياحة والبترول والنقل والصناعة والتخطيط والاتصالات والهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، وثلاثة أعضاء يمثلون شركات التنمية بسيناء يختارهم مجلس الوزراء. أما الآن، فبات وزير الدفاع يملك سلطة اختيار الجهات “المعنية” من دون تحديدها، مما يعني إمكانية استبعاد بعض الوزارات والخبراء الممثلين لها من عضوية مجلس الإدارة، مع اشتراط أن يكون من بين الأعضاء “ممثلون عن الجهات المعنية على أن يكون من بينهم ممثلون لوزارتي الدفاع والداخلية وجهاز المخابرات العامة”، مما يعكس اهتمام واضع التشريع بالطبيعة العسكرية والاستخباراتية والأمنية لملف سيناء أكثر من اهتمامه بالغرض الرئيسي لإنشاء الجهاز عام 2012 وهو تنميتها.