الاختيار 2 .. اللحظة الصعبة

موقع مصرنا الإخباري:
من شاهد الحلقة الخامسة من مسلسل “الاختيار 2: رجال الظل”، لابد وأنه أدرك حجم القلق الذي انتابنا جميعاً، في صباح يوم 14 أغسطس 2013، تلك اللحظة بدأت بها أحداث الحلقة، لتذكرنا بما عشناه قبلها من أيام صعبة مشبعة بالأسى والغضب والألم، رأينا على الشاشة قوات الشرطة تتجه صوب ميدانى رابعة العدوية والنهضة، لتنهي إعتصاماً حاصرنا في بيوتنا وشوارعنا، مازلت أشعر بثقل هذا الحصار الذي طوقني مثل غيري من سكان مدينة نصر، فمن حظي أن بيتي جاور موقع الاعتصام، بهذا الشعور استقبلت مفتتح الحلقة، بينما تذكرت كيف وقفت خلف نافذتي واهنة وفزِعة، مثلما فعلت عالية “أسماء أبو اليزيد” في المسلسل، محاولة أن أتشبث بأية بارقة أمل في الخلاص.

استعدت هذه اللحظة بحذافيرها مع تقدم القوات كما أظهرها المسلسل بواقعية راعت دقة التفاصيل، خصوصاً أنه عرض بمحاذاة ذلك ما حدث في محافظات ومدن مصرية أخرى في نفس التوقيت: كرداسة، المنيا، بني سويف، حلوان.. بدا هذا الاسترجاع كصرخة مدوية في برية الجهل الذي كاد أن يقضي علينا، بهذا المعنى، يمكن القول إن الحلقة الخامسة من المسلسل هي في حد ذاتها وثيقة بلغت مرتبة عالية من السوية الإبداعية والفكرية والإنسانية، قدمت ما حدث بدون مغالاة أو مزايدة، كما روت فصلاً عمن سرقوا أعمار الشباب والوطن والمجتمع، قيادات الإخوان الإرهابية الذين اختفوا من الموقع، “فص ملح وداب” كما يقول المثل الشعبي، والله إن هذا الذوبان يحتاج في حد ذاته فيلماً أو مسلسلاً يكشف لنا كيف حدث!!.

إنها إذن، لحظة مكثفة تطلق مساراً من التفاصيل المروية بصور ملتقطة للحدث حسب النسق الدرامي للمسلسل، وبأخرى منتقاة من أرشيف مسجل، تُروى كلها بتعابير متوازية وتقدم قراءة عن تاريخ قريب، وهذا من التحديات العظيمة لأنه يقدم أموراً ما زالت حاضرة، لاسيما أن مواجهة الإرهاب والعنف لم تنته، كما أنه يتناول الناس في سرد حكائي بصري يحمل كماً هائلاً من المشاعر والتساؤلات، يمتزج فيه هذا الجانب التوثيقي المفعم بلحظات مصيرية عانى فيها البلد من تداعياتها المختلفة، نجح المخرج بيتر ميمي في هذا المزج، فجاءت الصور أبرع قولاً من كل كلام، كانت كافية لاختزال اللحظة، اختزال محرر من اللغة الخطابية أو تقديم أية تفسيرات أو تبريرات، حتى أنه أنجز مشهد اغتيال الواء محمد جبر مأمور مركز شرطة كرداسة (جسده أشرف عبد الباقي بمهارة)، وفريقه من الضباط الذين تصدوا لعنف الإرهابيين، بشفافية تقف على خط التماس الإنساني، دون التوغل في وحشية ما حدث، لأنه أصلاً معروف ومختزن في الذاكرة؛ بعد ما انتشر فيديو اغتياله حينذاك وفجر كل ينابيع الغضب والوجع.

باختصار جاءت الحلقة الخامسة التي تم الاستعانة فيها بفيديوهات حقيقية، كوثيقة بصرية أضفت على المشهد مصداقيته، وأكدت براعة التوليف في نص كتبه هاني سرحان بحيوية، أمدتها وفرة اللقطات المسجلة بنوع من الاكتمال في منجز فني له خصوصيته، وبما يسمح إلى حد كبير بتأمل اللحظة وفهمها، أُخمن أن هذا جزء من تفاعل الجمهور تجاه المسلسل، إضافة إلى الشحنة العاطفية المتقدة، المدعمة بأداء تمثيلي لافت، ومتفاوت من شخصية لأخرى، ما بين ظهور أخاذ لكريم عبد العزيز، أحمد مكي، إياد نصارـ رياض الخولي وغيرهم، كما لا تقل موسيقى المسلسل التي وضعها خالد الكمار في تأثيرها العاطفي، بما منحته من جماليات أخرى إلتقطت نبض الحكاية واشتغلت عليها، كجسر وثيق يربط التفاصيل الصغيرة والكبيرة بين الموضوع والصورة.

بقلم
ناهد صلاح

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى