الأبعاد القانونية لرأي محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي
يتجاوز رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري نطاق القضية المطروحة ليصل إلى أبعاد أوسع. إذ يعبر هذا الرأي عن تطبيق القانون الدولي في مجالات ما زال الكثيرون يتجنبون تطبيقه رغم وجود اتفاقيات قانونية معترف بها عالميًا. وبينما لا يمكن للمحكمة سنّ قوانين جديدة، فإنها تفسر قواعد القانون الدولي الإنساني بما يتماشى مع التغيرات العصرية، وتلفت الانتباه إلى الثغرات التي تعيب هذا القانون.
يرى البعض أن الجمعية العامة للأمم المتحدة يمكنها استخدام هذا الرأي القانوني لتحديد الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة. يمكن لهذا القرار أن يكون دليلاً للجمعية العامة، لكنه ليس وسيلة لحل النزاع، حيث أوضحت المحكمة مسبقًا أنها لن تصدر رأيًا قد يؤدي إلى حسم خلاف بين الدول.
قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة، استنادًا إلى المادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة والمادة 65 من النظام الأساسي للمحكمة، أن تطلب من محكمة العدل الدولية إصدار رأي استشاري بشأن الأسئلة التالية:
- ما التبعات القانونية الناجمة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وعن احتلالها طويل الأمد للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 واستيطانها وضمّها لهذه الأراضي، بما في ذلك التدابير التي تهدف إلى تغيير التكوين الديمغرافي لمدينة القدس الشريف وطابعها ووضعها، وعن اعتمادها لتشريعات وتدابير تمييزية في هذا الشأن؟
- كيف تؤثر ممارسات إسرائيل المذكورة في السؤال الأول على الوضع القانوني للاحتلال، وما هي التبعات القانونية لهذا الوضع على كافة الدول والأمم المتحدة؟
الاختصاص الإفتائي للمحكمة يعني “قيامها بإبداء الرأي القانوني في أي مشكلة قانونية يُطلب منها إبداء الرأي فيها”. في هذا السياق، المحكمة لا تفصل في نزاع كما هو الحال في اختصاصها القضائي، بل تعبر عن رأي بشأن مسألة تعددت فيها الآراء واختلفت. هذا النوع من الاختصاص يدخل في صلب عمل المنظمة الدولية؛ لأن طلب الفتوى يأتي نتيجة لاختلاف الآراء حول المسألة موضوع الفتوى، مما يجعله قريب الشبه بالنزاع القائم حولها.
من المهم التأكيد أن الفتوى الصادرة عن المحكمة لا تتناول سوى مسائل قانونية، وبالتالي لا يمكن للمحكمة إصدار فتاوى تمسّ موضوعات ذات طابع سياسي. وقد أكدت المحكمة هذا الأمر في فتواها الصادرة بتاريخ 13 يوليو 1954، إذ ذكرت أنه “إذا كانت المسألة غير قانونية، فليس للمحكمة سلطة تقديرية بشأنها، وعليها أن ترفض إصدار الفتوى المطلوبة”.
على الرغم من أن هذا القرار ليس ملزمًا كونه رأيًا استشاريًا، إلا أنه يحمل تأثيرًا كبيرًا على المستوى الدولي. يعزز هذا الرأي المواقف القانونية والسياسية ضد الاحتلال الإسرائيلي، ويزيد من الضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها. ينبغي النظر إلى المكاسب القانونية التي أتى بها قرار المحكمة ليس فقط من المنظار القانوني، بل كأداة للتحرك السياسي والدبلوماسي لضمان تطبيق القانون.
لدعم هذه الحملة الدبلوماسية والسياسية، ينبغي تنشيط الإعلام الفلسطيني والعربي لفضح الإجراءات العدوانية الإسرائيلية وجرائم الإبادة ضد الشعب الفلسطيني وممتلكاته. من المفيد أيضًا رفع دعاوى ضد إسرائيل من جانب أصحاب الأراضي التي تنتزع بفعل الجدار أو التي تُجرف أو تُهدم، بما في ذلك المدنيون الذين استشهدوا جراء القصف ومحاولات الاغتيال باعتبارها إرهاب دولة منظمًا.
أحمد آدم