وقع الاحتلال الإسرائيلي اتفاقية للتجارة الحرة مع الإمارات، الثلاثاء، بهدف تعزيز التبادل التجاري بين الطرفين، في توجه هو الأخطر على الشعوب والدول العربية منذ توقيع أبوظبي اتفاقية لتطبيع العلاقات مع “تل أبيب” في أيلول/ سبتمبر 2020، وفق مراقبين.
رئيس مجلس الأعمال الإماراتي الإسرائيلي دوريان باراك، قال لـ”رويترز”، إن الاتفاقية حددت التعريفات الجمركية والواردات وحقوق الملكية الفكرية ما يشجع المزيد من الشركات الإسرائيلية على فتح مكاتب في الإمارات وخاصة في دبي.
الاتفاقية التي وقعتها في دبي وزيرة الاقتصاد الإسرائيلية أورنا باربيفاي، والوزير الإماراتي عبدالله بن طوق المري؛ هي الأولى بين الجانبين في ظل رئاسة الأمير محمد بن زايد للإمارات منذ 14 أيار/ مايو الماضي.
وستلغي الاتفاقية التعريفات الجمركية عن 96 بالمئة من البضائع ومنها المواد الغذائية والزراعية ومستحضرات التجميل والمعدات الطبية والأدوية، وتستهدف زيادة حجم التجارة السنوي إلى 10 مليارات دولار في 5 سنوات.
“فصل جديد”
تبارت وسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية في وصف الاتفاقية، معتبرين أنها أول اتفاقية تجارة كبيرة بين دولة عربية و”إسرائيل”، مشيرة إلى توقعات الجانبين أن تكون هناك 1000 شركة إسرائيلية تعمل بالإمارات أو عبرها بحلول نهاية 2022، وتمارس أنشطة مع جنوب آسيا، والشرق الأقصى، والشرق الأوسط.
ولكن؛ كان وصف وزير التجارة الإماراتي ثاني بن أحمد الزيودي، للاتفاقية الأكثر إثارة، حين قال عبر تويتر، إنها كتبت “فصلا جديدا في تاريخ الشرق الأوسط”، فيما قال وبنفس الحماس وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، إنها “لحظة تاريخية ومهمة”.
وأفادت بيانات رسمية إسرائيلية بأن حجم التبادل التجاري الإسرائيلي الإماراتي بلغ 1.2 مليار دولار في 2021، فيما يتوقع أن تبلغ المعاملات الجديدة بين أبوظبي وتل أبيب ملياري دولار في 2022.
“الاتفاقية الأخطر”
التوقيع الذي تزامن مع مسيرة الإعلام الإسرائيلية التي يقودها متطرفون وتطوف في استفزاز مثير للفلسطينيين في مدينة القدس وتقتحم المسجد الأقصى، أثار غضب ومخاوف ملايين العرب والمصريين الرافضين للتطبيع والمتخوفين من وضع شركات وبضائع واستثمارات الكيان المحتل أقدامه في البلدان العربية عبر الإمارات.
الاتفاق، وفق مراقبين يفتح أبوابا كثيرة أمام الشركات الإسرائيلية للتغلغل بالسوق المصرية بشكل خاص كونها السوق العربية الأكبر من حيث الاستهلاك وعدد السكان، مع إغراق البلاد بالبضائع الإسرائيلية، خاصة أن الإمارات تتغلغل في جميع القطاعات الحيوية المصرية.
وفي توصيفه قال الخبير الاقتصادي المصري الأمريكي محمود وهبة، إن الإمارات بهذه الاتفاقية أصبحت “وكيل إسرائيل للعرب رسميا”، مضيفا أن “الإمارات كالأخطبوط تحتكر عدة قطاعات حيوية مصرية، وتختارها بذكاء وحرية فلا توجد ضوابط مصرية”. وختم حديثه عبر صفحته على “فيسبوك”، مؤكدا أنه “لوجود السوق الحرة، فإن ما تملكه الإمارات يمكن لـ’إسرائيل‘ أن تدخله”.
“إمبراطورية في مصر”
الاستحواذ الإماراتي على الاقتصاد المصري يتزايد بشكل مطرد، مشكلا إمبراطورية في قطاعات الصحة والتعليم والتجارة والمصارف، وغيرها. وهناك 5 بنوك إماراتية تعمل في مصر، هي: “أبوظبي الأول”، و”أبوظبي التجاري”، و”الإمارات دبي الوطني”، و”أبوظبي الإسلامي”، و”بنك المشرق”، لتصبح الجنسية الإماراتية صاحبة العدد الأكبر للبنوك الأجنبية بالقطاع المصرفي المصري، بحسب موقع “مصراوي” المحلي.
ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019، أقامت الدولتان منصة استثمارية مشتركة بقيمة 20 مليار دولار بمجموعة من القطاعات والأصول، يديرها صندوق الثروة السيادي المصري وصندوق أبوظبي السيادي. وتواصل “موانئ دبي العالمية” استحواذها على مشروعات هامة بمحور قناة السويس، ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، حصلت على أرض صناعية بالمنطقة الصناعية هناك بمساحة 35 كيلومترا.
واشترت “القابضة (ADQ)، حصة مجموعة “اللولو العالمية”، لتستحوذ بذلك على سلاسل “الهايبر ماركت”، و”السوبر ماركت” في مصر منذ تشرين الأول أكتوبر 2020. الشركة الحكومية الإماراتية (تأسست عام 2018)، اشترت كامل حصة شركة “بوش هيلث” في شركة آمون للأدوية المصرية عام 2021. وفي 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، استحوذ بنك “أبوظبي الأول” على كامل حصة بنك “عودة” في مصر، ما جعل البنك الإماراتي أحد أكبر البنوك الأجنبيّة العاملة في مصر من حيث الأصول، بنحو 120 مليار جنيه مصري (8.1 مليار دولار).
وفي 14 آذار/ مارس 2021، تقدمت شركة “الدار العقارية” الإماراتية، بعرض استحواذ على حصة أغلبية (51 بالمئة) بشركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار “سوديك”، إحدى كبريات شركات العقارات المصرية.
وفي 6 نيسان/ أبريل 2021، أُعلن أن شركة “أدنوك” الإماراتية للبترول تحالفت مع شركة أبوظبي القابضة “ADQ” الإماراتية للاستحواذ على شركة “الوطنية للبترول” المملوكة لجهاز الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع المصرية.
وفي 7 نيسان/ أبريل 2021، جرى الإعلان عن استحواذ كبرى شركات إنتاج الأغذية والمشروبات بالإمارات “أغذية” على حصة الأغلبية في شركة الإسماعيلية للاستثمار الزراعي “أطياب” المصرية. وقدم بنك “أبوظبي الأول” 9 شباط/ فبراير 2022، عرضا للاستحواذ على حصة حاكمة بالمجموعة المالية “هيرميس” القابضة، أحد أكبر بنوك الاستثمار الرائدة بالعالم العربي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وفي قطاع الصحة تمتلك الشركات الإماراتية 15 مستشفى، ونحو 100 معمل تحاليل ومركز أشعة، فيما تتحكم في إنتاج الأدوية في سوق تقدر قيمتها بحوالي 45 مليار دولار. وفي 27 كانون الأول/ ديسمبر 2021، استحوذت مجموعة مستشفيات “كليوباترا” المملوكة لشركة أبراج كابيتال الإماراتية على مجموعة “ألاميدا “الإماراتية للرعاية الصحية.
وفي مجال التعليم شاركت شركة جيمس للتعليم الإماراتية في تأسيس صندوق التعليم المصري عام 2018، مع المجموعة المالية هيرميس بضخ نحو 300 مليون دولار في قطاع التعليم بمصر خلال 5 سنوات.
“حالة كارثية”
وفي تعليقه على الاتفاقية الإماراتية الإسرائيلية وتأثيرها على مصر، قال السياسي المصري والبرلماني السابق طلعت خليل، إن “الخطورة تكمن في وقوع المزيد من غزو السلع للسوق المصرية، وبتكلفة منخفضة”.
الأمين العام لحزب المحافظين، عبر عن مخاوفه الشديدة بتأكيده لـ”عربي21″، أن تلك الاتفاقية سوف ينتج عنها “غلق الكثير من المصانع المصرية التي لن تكون قادرة على منافسة القادم الجديد، وأن المصريين إلى مزيد من البطالة”.
وختم بالقول: “إننا “في حالة كارثية”.. “أكبر اختراق إسرائيلي”.
وفي رؤيته لمدى خطورة توقيع “إسرائيل” والإمارات اتفاقية للتجارة الحرة على مشروعات أبوظبي في مصر، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي مصطفى السعيد، إن “اتفاقية التجارة الحرة بين الإمارات وإسرائيل أكبر اختراق إسرائيلي للأسواق العربية”.
وفي حديثه لـ”عربي21″، أضاف أن الاتفاقية “تجعل من الإمارات الوكيل لمنتجات إسرائيل، وتسهل الاتفاقية دخوله منتجاتها تحت غطاء دولة عربية”. ولفت إلى أن خطورة الموقف تتمثل في أن “الإمارات قد مهدت الطريق مسبقا بالتواجد المكثف في دول عربية وأفريقية، رغم الحجم الضئيل للسوق الإماراتية، وعدم وجود منتجات صناعية أو زراعية”.
ورجح السعيد، أن الإمارات بهذا التواجد المكثف لها ولشركاتها “كانت تعد العدة لتكون الغطاء لتوزيع المنتجات الإسرائيلية في تلك الدول”. ويرى الكاتب الصحفي المهتم بالملف الإسرائيلي، أن “الخطر الرئيسي يمن في أنها يمكن أن تخدع المستهلك، وأن تفتح الطريق أمام اختراق إسرائيلي واسع لمعظم الأسواق العربية”.
وحول ما يثار عن مخاطر استحواذ “إسرائيل” على أصول مصرية من خلال الشركات الإماراتية، واحتمالات وجود قوانين أو تشريعات مصرية يمكنها حماية الأصول المصرية من التغلغل الإسرائيلي المحتمل، فأكد أنه “لا توجد قوانين في هذا الإطار”.
وختم بالقول: “لا توجد قوانين تتعلق بالإستثمارات الأجنبية تستثني إسرائيل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر”، معتقدا أن “الرهان على الوعي والضغط الشعبي لحماية مصر من التغلغل الصهيوني”.
“تهديد للشركات العربية”
وفي رؤيته الاقتصادية، اعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب أن الاتفاق تهديد للشراكات العربية العربية، ويفتح المجال لتوغل الشركات الإسرائيلية بمصر. وفي حديثه لـ”عربي21″، قال إن “خطورة هذه الاتفاق أنه يأتي عقب إعلان مصر والإمارات والأردن الأحد الماضي، إطلاق استراتيجية الشراكة الصناعية بينهما”.
ولفت إلى أن الاتفاقية العربية الثلاثية تأتي “لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة تشمل قطاعات: الزراعة، والأغذية، والأسمدة، والأدوية، والمنسوجات، والمعادن، والبتروكيماويات”.
وأوضح أنه “تم تخصيص صندوق استثماري تديره شركة (القابضة ADQ) الإماراتية بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار في المشاريع المنبثقة عن هذه الشراكة في القطاعات المتفق عليها”.
عبدالمطلب، أشار إلى رؤية بعض المراقبين أن “الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي قد يفتح مجالات إضافية أمام الشركات الإسرائيلية للتغلغل بالسوق المصرية… وأعتقد أن هذا الكلام صحيحا ولكنه ليس جديدا”.
وألمح إلى أن “مصر وإسرائيل بينهما عدة اتفاقيات اقتصادية موجودة فعلا وقائمة للتعاون ومنها اتفاقية (الكويز) عام 2004، واتفاقية التعاون بمجال الغاز في عامي 2005 و2018، كما أن هناك تعاونا قائما منذ عقود بين مصر وإسرائيل بقطاعات الزراعة”.
وختم الخبير المصري، حديثه بالقول: “ولذلك لا أعتقد أن الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي يحمل جديدا؛ لكنه بالتأكيد يمثل زيادة التهديد القائم لكافة محاولات إقامة شراكة عربية عربية”.
المصدر: عربي 21