أرض بلا عودة.. إسرائيل تحول نصف القطاع إلى صحراء و”مناطق قتل

موقع مصرنا الإخباري:

أرض بلا عودة.. إسرائيل تحول نصف القطاع إلى صحراء و”مناطق قتل

 

في غزة، كل شيء غاب تحت الركام، بعد أن اجتاحت الجرافات الإسرائيلية القطاع إثر انتهاكها لوقف إطلاق النار، لتقتلع أحلام نحو 2 مليون فلسطيني في مشهد حزين يُعد جزءًا من واقع أكبر تُعيد فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي رسم الخرائط بالنار والحديد، وتعيد صياغة الجغرافيا بالقوة العسكرية في القطاع المُحاصر.

وحسب وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، فإن دولة الاحتلال باتت تسيطر على أكثر من نصف مساحة القطاع، لتظهر معالم تحوّل جذري في غزة، إذ يهدد اتساع المنطقة العازلة وتحويل الأراضي إلى “مناطق قتل” بتكريس واقع جديد قد لا يكون مؤقتًا كما يُدّعى.

عمليات هدمٌ لا رجعة فيها

منذ استئناف الحرب على غزة الشهر الماضي، كثّفت دولة الاحتلال وجودها العسكري في قطاع غزة بشكل غير مسبوق، لتفرض سيطرة مباشرة على أكثر من 50% من مساحة القطاع، كما أفادت وكالة “أسوشيتد برس”، وهو توسع لم يكن اعتباطيًا، بل تم من خلال تجريف واسع للأراضي، وهدمٍ للمنازل والبنية التحتية، مما حول مناطق بأكملها إلى أرض غير صالحة للسكن، حسب شهادات جنود إسرائيليين ومنظمات حقوقية.

أحد هؤلاء الجنود الذين نقلت عنهم “أسوشيتد برس” بشرط عدم الكشف عن هويتهم لخوفهم من الانتقام، قال بصراحة صادمة: “دمّروا كل ما استطاعوا تدميره، وأطلقوا النار على كل ما بدا صالحًا للاستخدام، لن يكون لدى الفلسطينيين ما يعيدون به أرواحهم، ولن يعودوا أبدًا”.

وتوثق منظمة “كسر الصمت”، وهي منظمة تضم محاربين قدامى مناهضين للاحتلال، شهادات مماثلة في تقرير أصدرته يوم الاثنين، مؤكدة أن الجيش الإسرائيلي ينفّذ عمليات تدمير ممنهجة تمهيدًا للسيطرة المستقبلية.

فصل غزة

في إطار توسيع هذه السيطرة، أقامت قوات الاحتلال الإسرائيلية ما يُعرف بـ”ممر نتساريم”، وهو شريط يفصل شمال قطاع غزة عن جنوبه، هذا الممر أُقيم على أرضٍ كانت سابقًا مأهولة ومزروعة، لتتحول الآن إلى منطقة عسكرية مغلقة، وتوضح خريطة أصدرها جيش الاحتلال أن المنطقة العازلة تضاعفت لتصل إلى عمق ثلاثة كيلومترات داخل القطاع في بعض المناطق.

بحسب البروفيسور يعقوب غارب، أستاذ الدراسات البيئية في جامعة بن جوريون الإسرائيلية، فإن المنطقة العازلة الجديدة وممر نتساريم يشكلان أكثر من 50% من مساحة غزة، مما يعني عزل مئات آلاف الفلسطينيين في مناطق متقلصة بشكل دائم.

كما أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن خطة لإقامة ممر جديد في الجنوب، يعزل مدينة رفح الفلسطينية عن باقي القطاع، في خطوة قد تقطع ما تبقى من التواصل الجغرافي الداخلي في غزة.

محو الجغرافيا

المنطقة التي باتت تُعرف بـ”المنطقة العازلة” كانت سابقًا موطنًا لعدد هائل من السكان، وتعدّ أحد أبرز مراكز الإنتاج الزراعي في غزة. اليوم، تُظهر صور الأقمار الصناعية أن هذه المناطق تحولت إلى حقول من الأنقاض، ولم ينجُ أي شيء من هذا التدمير، من البيوت إلى أنابيب الري، من الأشجار إلى المجمعات الصناعية.

وأكد خمسة جنود إسرائيليين حسب “أسوشيتد برس” أن أوامر صدرت بتدمير كل ما يمكن أن يُستخدم، بما في ذلك المصانع الكبيرة، مثل مصنع صودا سُوي بالأرض، مخلفًا شظايا زجاج وألواح شمسية مبعثرة.

أحد الجنود، من وحدة دبابات، روى كيف أن الجرافات المدرعة أنشأت ما يسمى “منطقة قتل”، يُطلق فيها النار على أي شخص يقترب لمسافة 500 متر، بما في ذلك النساء والأطفال، وبكلمات متأثرة قال: “جئتُ إلى هناك لأنهم يقتلوننا، والآن نحن نقتلهم، لكننا لا نقتلهم فقط، بل نقتل زوجاتهم وأطفالهم وقططهم وكلابهم”.

هدم بغطاء “أمني”

جيش الاحتلال الإسرائيلي دافع عن عملياته، قائلًا إنها تهدف إلى “تحسين الأمن” في جنوب إسرائيل، الذي تعرّض لهجوم في 7 أكتوبر 2023، وأضاف الجيش أنه يلتزم بالقانون الدولي، ويتجنّب استهداف المدنيين “قدر الإمكان”.

هذه التبريرات لم تقنع منظمات حقوق الإنسان التي ترى في هذه العمليات مسعى لتغيير ديموجرافي دائم، وربما تطهيرًا عرقيًا، خصوصًا أنه لا توجد مؤشرات على السماح بعودة السكان إلى المناطق التي دُمرت بالكامل.

ناديا هاردمان، الباحثة الحقوقية، وصفت ما يجري بأنه جريمة حرب محتملة، وجريمة ضد الإنسانية، قائلة إن “التهجير القسري للسكان يُعد تطهيرًا عرقيًا عندما يتضح أنه لن يُسمح لهم بالعودة أبدًا”.

وقال نتنياهو مجيبًا على سؤال: هل ما يحدث في غزة هو إجراء عسكري مؤقت، أم خطوة نحو إعادة تشكيل الواقع السياسي والديمغرافي في القطاع؟، قائلًا: “إن إسرائيل ستحتفظ بالسيطرة الأمنية حتى بعد القضاء على حماس”. وأشار لاحقًا إلى تنفيذ خطة “الهجرة الطوعية”، وهي ذات الخطة التي سبق أن دعا إليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتقوم على تشجيع الفلسطينيين على مغادرة غزة.

وحسب “أسوشيتد برس”، فإن الواقع على الأرض يشير إلى أن التدمير الممنهج، والتجريف واسع النطاق، وإنشاء الممرات العسكرية، وسياسة التهجير، كلها عوامل تمهّد لواقع جديد، يتجاوز بكثير حدود الرد على تهديدات أمنية مؤقتة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى