لمن يقرأ لي لأول مرة، فوجهة نظري أن أحداث يوليو 2016 لم تكن محاولة انقلاب، بل كانت عملا مسرحيا ألفه الرئيس أردوغان، ورئيس المخابرات هاكان فيدان وقام بتنفيذها كل من رئيس الأركان آنذاك خلوصي أكار ومجموعة أرجنكون / الدولة العميقة.
ولقد حققت تلك العملية المسرحية نجاحا (!) لمنفذيها من حيث النتائج المرغوب فيها.
فقد احتفظ أردوغان بسلطته، ومهد لإنشاء دولة الرجل الواحد، بينما استطاعت مجموعة أرجنكون عبر رجالها أن تصل إلى مناصب حيوية لم تكن المجموعة تحلم بالوصول إليها، ومن أجل تحقيق ذلك فقد 251 شخصا مصرعهم وأصيب آلاف الأشخاص، ولا يزال الآلاف يدفعون الثمن يوميا.. التضحية بهذا العدد من الأرواح مسوغة في سبيل ترسيخ سلطة القصر، بحسب عقليتهم.
كانت عملية توجيه الرأي العام أهم جزء في طريق إنجاح الانقلاب الخيالي المسرحي، سواء قبل وقوع الانقلاب أو أثناءه أو بعده. والحقيقة أن توجيه الرأي العام من الموضوعات التي تحتاج إلى إلقاء الضوء عليها لأهميتها، لكننا في هذه المقالة سنلقي الضوء فقط على الجزء المتعلق بدولة الإمارات العربية المتحدة في رواية أردوغان.
كما هو معلوم للجميع، ادعى أردوغان ووزير الداخلية سليمان صويلو ووزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو والمسؤولون التنفيذيون في حزب العدالة والتنمية وجميع وسائل الإعلام التابعة للسلطة، أن الإمارات العربية المتحدة هي من كانت وراء محاولة انقلاب 15 يوليو 2016.
ومن أجل الترويج لهذه الفكرة، ذهب تشاووش أوغلو إلى أبعد من ذلك مدعيا أن الإمارات العربية المتحدة أنفقت 3 مليارات دولار لإنجاح محاولة الانقلاب.
وبالطبع تلك الاتهامات مثلها مثل كل مزاعم 15 يوليو الأخرى، لم تكشف الدولة عن أدلتها، كل ما هو أن الدولة وأجهزتها الإعلامية ظلت تكررها مرات لا تحصى عبر السنوات الخمس الماضية لإقناع الناس بصدقها.
وتقريبا كل وسائل الإعلام الخاضعة للدولة كانت تروج للفكرة، اعتبارا من صحيفة يني شفق إلى وكالة الأناضول، ومن صحيفة صباح إلى قناة TRT، ومن مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية “سيتا” إلى المتصيدين على وسائل التواصل الاجتماعي.. جميعها زعمت أن الإمارات العربية المتحدة لعبت دورا هاما في تنفيذ انقلاب يوليو 2016، بل إن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار لم يتباطأ في هذا الشأن، فخرج في يوليو 2020 على قناة الجزيرة القطرية مصرحا وزاعما أن الإمارات العربية المتحدة تدعم التنظيمات الإرهابية ضد تركيا، وعلق بقوله: “سنحاسب دولة الإمارات على ذلك!”.
كما أدلى المتحدث باسم القصر الرئاسي التركي إبراهيم كالين، وفي مناسبات مختلفة، بتصريحات استهدفت الإمارات.
باختصار تم تعريف دولة الإمارات العربية المتحدة للمواطن التركي باعتبارها دولة معادية لتركيا، فهي من مولت محاولة الانقلاب وهي من تقوم بتمويل الجماعات الإرهابية المعادية لتركيا، بل هي من تقوم باصطياد وتصفية عملاء الاستخبارات التركية في ليبيا. زد على ذلك الأزمة القطرية مع دولة الإمارات، وقيام سادات بكر الذي كان مواليا لأردوغان ثم انقلب عدوا لنظامه بالهروب من تركيا والاستقرار في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبث فيديوهات يفضح فيها النظام القائم في تركيا على قناته الخاصة في اليوتيوب، كل هذا جعل من دولة الإمارات في مخيلة القصر الرئاسي التركي أكبر شيطان يعادي تركيا.
استقبال رفيع المستوى لمخططي الانقلاب!
يعلم جميع متابعي أردوغان بسرهة تبدل مواقفه، فما وصفه بالأمس بـ”أبيض” يمكن أن يطلق عليه اليوم ببراعة “أسود”، وفي كلا الحالين ينجح في الحصول على تصفيق قاعدته الشعبية.
حالة مماثلة تشهدها العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة هذه الأيام، فبينما القصر الرئاسي والموالون له كانوا حتى وقت قريب يتحدثون عن الإمارات باعتبارها شيطانا بدأ اليوم يتحدثون عن مدى أهمية العلاقات الاستراتيجية مع تلك الدولة.
مباشرة بعد مكالمة تليفونية أجراها وزير الخارجية التركي مولود تشاويش مع نظيره في دولة الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان، تم الإعلان عن استقبال الرئيس أردوغان بنفسه في قصر الرئاسة مسؤول الأمن الوطني لدولة الإمارات الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان.
ورغم أن نظير الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان في تركيا هو ابراهيم كالين إلا أن أردوغان استقبله بنفسه استقبالا رفيع المستوى وابتلع كل ما قاله عن دولة الإمارات، وبعدها مباشرة وفي 31 من شهر أغسطس الماضي تحدث الرئيس أردوغان مع ولي عهد دولة الإمارات الأمير محمد بن زايد آل نهيان، ومن المتوقع أن يزور ولي عهد دولة الإمارات أنقرة خلال الاسبوع الحالي.
صحيفة الإندبندنتفي نسختها التركية قالت إن السبب الرئيسي للزيارة هو العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
رغم أنه منذ وقت ليس ببعيد، صرح أردوغان نفسه بأن “تركيا قد تقوم بتعليق العلاقات الدبلوماسية مع دولة الامارات، وسحب سفيرها منها” لكنه اليوم يفرش السجادة الحمراء لاستقبال ولي عهد دولة الامارات.
هذا الأمر يدعونا لأن نسأل بعض الأسئلة المشروعة:
ألم يكن ولي عهد دولة الامارات، وفقا لوزير الخارجية تشاويش أوغلو ووزير الداخلية صويلو وغيرهم من مسؤولي الدولة التركية، هو الممول لمحاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016؟
ألم يكن هو من يمول الجماعات الإرهابية المعادية لتركيا؟!
ألم يكن هو الممول لجماعات ارهابية في ليبيا تستهدف عملاء تركيا الاستخباراتيين؟!
إذن ماذا حدث اليوم وجعلكم تفرشون له السجادة الحمراء؟
أم أن كل ادعاءاتكم حول اغتيال عملاء الاستخبارات التركية هي مجرد فبركات؟ !
وسؤال أخر يلح على الذهن: إن كان ما قلتموه عن تمويل محاولة الانقلاب الفاشل محض كذب وافتراء، فأي أمر آخر كذبتم بشأنه؟!
أم أنه من أجل الاستثمارات المتوقع الحصول عليها من دولة الإمارات ابتلعتم كل ما قلتموه وشربتم فوقه كوبا من الماء؟
إذن ماذا ستفعلون بعناوين الصحف العريضة التي وصفت دولة الإمارات باعتبارها دولة “غير شريفة”، بل إن صحيفة يني شفق طالبت بإعلان الحرب على الإمارات في مقال أعده إبراهيم كاراجول، رئيس تحريرها السابق.
من الممكن تقديم أمثلة كثيرة على تصريحات أعضاء حزب العدالة والتنمية، إلا أنني في هذه المرحلة أود أن أقتبس من البيان الذي أدلى به خلوصي أكار وزير الدفاع الوطني لقناة الجزيرة في يوليو من العام الماضي، حيث قال: “إن الإمارات العربية المتحدة تدعم التنظيمات الإرهابية ضد تركيا من أجل إلحاق الضرر بها، ستدفع ثمن ذلك في المكان والزمان المناسبين. يجب على دولة الإمارات أن تتجنب مثل هذه التحركات بالنظر إلى صغر حجمها وقلة نفوذها”، على حد تعبيره.
في الحقيقة لا نعلم ما هو المكان والزمان المناسبان الذان يتحدث عنهما أكار، لكن يبدو أن موضوع “دفع الثمن” تغير شكله ونوعه! إذ لم يبق لأردوغان أي حساب مع الإمارات ومحمد بن زايد سوى ذلك الذي يتعلق بالأموال والاستثمارات!!
المصدر: جريدة زمان التركية