هو فنان مدهش بعفويته وبساطته، بتصرفه العادي والسلس، لا يتصنع طريقة أداء، ولا يبالغ في سلوك، يحافظ دوما على هدوئه طوال الوقت لإظهار براعته، فالحماسة تدفعه إلى هذه البراعة، بل وتجعله متألقا، وتمنحه الرغبة في إثبات الذات على جناح العفوية التي يتمتع بها، والتي تتيح له التصرف بحرية كبيرة، وبتحرر واضح من قواعد وتقنيات الأداء التقليدي الذي يخلو من المشاعر، لذا يبدو لك أداءه مدهشا في قدرة فائقة على كشف الانفعالات، مشوقا في بساطته الشديدة حين يلعب الشخصية المراد تجسيدها، حيث يعيش مسارها وتحولاتها حتى تبدو لنا في النهاية مثيرة للمتعة البصرية.
لايقلد العواطف والقوالب، بل يعيش هذه العواطف وتلك القوالب، ويقترن هذا عنده بالصدق والمعايشة الحقيقية للدور الذي يمثله اعتمادا على التذكر الانسيابي، واسترجاع الحوادث الماضية التي لها صلة بالدور المشخص في قلب الدراما، وهو في ذلك ليس الممثل الذي يتصنع في دوره، ويؤديه أداء آليا سطحيا زائفا خاليا من الإحساس والمشاعر الصادقة، وينعدم فيه الإيمان الحي والحياة الواقعية الطبيعية، بل هو الذي يخلق روحا إنسانية في دوره ويتحقق لديه دوما الإيمان الصادق بتوظيف الأفعال الجسمانية الصادقة، وتشغيل العواطف المتقدة، وتفتيق الانفعالات النفسانية الحقيقية، وربطها بالخيال والخبرة والشعور.
إنه النجم المصري (أحمد عز) الذي تألق مؤخرا في مسلسل (هجمة مرتدة) وأصبح مثار جدل شديد في خلطه الأداء الكوميدي بالأكشن والتراجيدي في آن واحد، لكن لا ننسى أنه واحد من الممثلين القلائل الذين يبحثون عن قيمة الدور ومن خلال متابعتي لمسيرته الفنية الطويلة، لاحظت أن كل يشغل تفكيره دائما هو مدى تفاعل شخصيته مع الخط الرئيسي للأحداث الدرامية داخل العمل الفني؛ لذلك يبقى دائما ما يختاره من أدوار يرتبط بالعمق والوعي الكبير في عدم الوقوع في اختيار شخصيات نمطية ومستهلكة، بل متنوعة على مستوى الشكل والمضمون، لذا تبقى أدواره مفاجئة لجمهوره في العادة؛ وذلك باختصار لأنها ترتبط بحالته التجسيدية التي تنبع من عقله الباطن ودواخله اللامحدودة في رسم مسار وحركة شخصياته التي لعبها في السينما والدراما المصرية والمسرح خلال السنوات الماضية، وكتبت لها الإجادة والقدرة على التجسيد الحي.
ولاشك أن أحمد عز صاحب الموهبة المميزة والإطلالة الأنيقة، والذي تمكن بمجرد دخوله عالم الفن من أوسع أبوابه من إظهار قدراته وإمكاناته في عالم التمثيل، كما تمكن في الوقت ذاته من اكتساب شهرة واسعة ساعدته للحصول على العديد من الأدوار المهمة في مختلف الأعمال التلفزيونية والسينمائية، ولهذا يعتبر (عز) واحدا من أبرز النجوم الشبابية في الساحة الفنية المصرية حاليا، ولا يزال مستمرا في تقديم الأعمال الناجحة في التلفزيون والسينما، وذلك من خلال سعيه الدائم إلى التجديد وتغيير جلده بصفة مستمرة في كل عمل يقدمه، ومن هنا فهو يفضل الغياب عن الساحة إذا فشل في العثور على عمل فني يحترم عقول الجمهور، فهو الرومانسي العاشق تارة والضابط الحازم، وهو نفسه الذي خطف الأنظار في الأيام الماضية بشخصية (سيف العربي) في مسلسل (هجمة مرتدة) في موسم رمضان 2021.
يختار (أحمد عز) تجارب جديدة سواء فى السينما أو الدراما، حيث وضع بصمة خاصة له منذ بدايته، فضلا عن لديه قناعة شخصية أن أدوار الأكشن هى المحرك الرئيسي لأي عمل درامي لأنها تواجه البطل وتدخل معه في سجال يمنح الممثل الفرصة لإخراج طاقاته، خصوصا أنه أحرص الممثلين على عدم تقديمه بشكل تقليدي، فلا يجب على من يقدم هذه الأدوار رفع حاجبيه مثلا أو اعتماد مواصفات شكلية في إقناع المشاهد، المهم الدخول في تفاصيل الشخصية فيقدم الجوهر الداخلي للشخصية، ومن ثم يقنع الجمهور والنقاد بأدائه الذي يجب أن يتنوع ويختلف من دور لآخر وفقا لطبيعته، وهو ما يؤكد عليه بالاجتهاد كي لا يسجن نفسه في نوع محدد، حتى لو قدم الإطار نفسه فهو يحاول التجديد دائماً كي لا يمل الجمهور منه، كما يحرص أيضا على تقديم أي دور يعرض على بشكل مختلف، ومن ثم أثبتّ موهبته وقدرته في البحث عن الجديد دائما.
ومما لاشك فيه أن النجم (أحمد عز) يملك كثيرا من الأدوات الفنيه، فبغض النظر عما موهبته و قبوله ووسامة إلا انه لديه العديد من الأدوات والقدرات الفنية التي يستطيع تطويعها بكل سهولة ويسر لإيصال أفكاره أو أفكارأصحاب الأدوار التي يقوم بتقمصها.. مثل قوة البنيان.. الطول.. عينان يتميزان بالرقة والحدة.. صوت رقيق يختنق عند الانفعال، يملك طموحا ومثالية قد تثبط من عزيمة أتباعه، ولكن قدرته على الوصول إلى قلب المشكلة وحلها تطمئنهم، فالنكسات تقوي من زيمته كثيرا ، لأنه قادر على تحقيق أهدافه، ويستخدم كل طاقاته وإبداعه في ذلك، دون أن يراوده أدنى شك.
أحمد عز فنان قدير، من القلة التي يجب أن تحبها وتحترمها وتقدرها، ربما يكون محظوظا إلى حد ما، فعلي الرغم من أنه بدأ حياته في عروضِ الأزياء، وتردد في تلك الفترة على مكاتب الإنتاجِ أملا في العثورِ على فرصة للعمل في السينما، حتى قابل المخرجة إيناس الدغيدي التي أعطته دورا صغيرا في فيلم “كلام الليل”، لكنه حافظ على الفرصة واستغلها، ولم يلق بالا لوسامته، ولم تهزه أي ضربة، بل تلقى كل ضربة باحترام وأخلاق عالية، وبالمناسبة ليس ذلك فقط، فـ (عز) من الفنانين القلائل الذين لا يملكون أولتراس أو هتيفة أو لجان إلكترونية تدافع عنه، أو تحميه من النقد بوسائل شرعية أو غير شرعية مثل الكثيرين من الفنانين والنجوم الذين نحسبهم كبارا ولكنهم يقابلون النقد بإيذاء غيرهم، والذي يعرفه عن قرب يفهم جيدا ما نقول، فهو فنان متميز وعلى خلق إنساني رفيع، يصلي ويعرف الله، ولا يخطئ في حق أحد مهما كان، يخلص لعمله وأصدقائه ومقربيه، والأهم أنه لا يلتفت إلى صغائر الأمور.
معروف عن أحمد عز أنه مجتهد في عمله إلى حد العشق لمهنة التمثيل ولهذا عند إقباله على عمل جديد يقوم بالقراءة جيدا والاستعداد النفسي والبدني تماما كما حدث في فيلم (الممر)، حيث دخل فى تدريبات عسكرية داخل أحد المعسكرات المخصصة على مدار شهرين كانت أشبه بالمعايشة الكاملة لحياة الضباط والجنود، وذلك انطلاقا من فهمه لكيف يلعب بطولة فيلم من نوعية الأكشن مأخوذ عن واقعة حقيقية، وهو ما دفعه إلى أن يعرب عن سعادته وفخره بتقديم مثل هذا الفيلم، وشدد على أنه ليس هناك توجيه بتقديم فيلم (الممر) أو فيلم (الخلية)، وأنه مستعد لتقديم عمل آخر يجسد فيه شخصية ضابط جيش أو شرطة بشرط أن تتوفر فيه المعايير التى توافرت فى (الخلية والممر)، وتابع أنه يؤمن بالقسمة والنصيب وأنه صور كل المشاهد الصعبة فى الفيلم دون الاستعانة بدوبلير، وأنه لم يتم التأمين على حياته أثناء تصوير العمل
صحيح أن فكرة المعايشة لشخصية الضابط في فيلم ” الممر” كانت للمخرج شريف عرفه، لأنه لا يريد ممثلين يجسدون شخصيات ضباط، بل أراد أن يبدو ممثليه كضباط جيش بالفعل فى أسلوب الحركة وضرب النار والتعامل مع الأسلحة والحياة العسكرية، طريقة الكلام، تعاملهم مع قياداتهم وزملائهم، لكن (عز) نجح إلى حد كبير في معايشة تامة وكأنه جندي تابع للقوات المسلحة، وهو ما ما ظهر لنا واضحا جليا على الشاشة لأن الشكل الخارجي للشخصة وتكوينها الداخلى مناسب جدا للموضوع، وقد ساهم في نجاح الفيلم أن ساعدهم ضباط وعناصر حقيقية من الجيش، ولولاهم ما كانوا استطعوا تنفيذه.
ولأن حلم كل ممثل فى حياته التصدى لمثل هذه النوعية من الأفلام والمسلسلات القائمة على البطولة العسكرية والمخابراتية، وفى تاريخنا السينمائى ستجد تجارب قليلة جدًا والأجيال التى شاركت فيها كانوا محظوظين، ولهذا كان (أحمد عز) يحلم بطوال عمره بأعمال وطنية بهذه الصورة وتلك الضخامة، ومن ثم فهو فخور بها جدا لأن الجمهور دائما ما يلتف حولها بحس وطنى، ويتأثر بحالة التفوق الوطنى ويتمسك به جدا، وبالتأكيد تعامل من جانبه مع تجربتي (الممر وهجمة مرتدة) بحس وطنى وسينمائى نادرا ما يتكرر، لأن تجسيد بطولاتنا التاريخية أمر مهم ولدينا منها ما يكفى عشرات الأفلام السينمائية.
مع كل مشروع سواء كان فيلما أو مسلسلا تلفزيونيا يحضر (أحمد عز) له بطريقة غاية في الدقة، فهو يحب المذاكرة، حتى ولو كان يجسد شخصية بسيطة لايت، فما بالك بعمل يؤرخ لأحداث حقيقية لفترة مهمة من تاريخ مصر وزمن لم يعشه مطالب بتجسيده، فهو لم يعاصر النكسة حيث ولد بعدها وبعد فترات حرب الاستنزاف، وعاش فترات فى الأخيرة وهو رضيع، وتطلب منه ذلك الرجوع إلى كتب ومراجع وشهود عيان ممن عاشوا هذه الفترة ولديهم شهادات ومازالوا قيد الحياة، وحرص في الوقت ذاته على عدم تجسيد الشخصية تمثيليًا فقط ولكن بشكل إنسانى، فقد كان مهما بالنسبة له أن يلمس الحالة النفسية التى عاشها الضباط فى هذا التوقيت داخل معسكراتهم وخارجها فى الأماكن المدنية داخل بيوتهم، وكذا الحال أيضا في شخصية (سيف العربي) في (هجمة مرتدة) التي عايش أحداثها عن قرب وتفاعل معها لذا حاول تخفيف حدة الأحداث بمس كوميدي يكسر حالة الجدية التي يقابلها من قياداته.
ورغم ما مضى من صفات تتعلق بالموهبة والاستعداد النفسي إلا أن (أحمد عز) يؤكد على مقولة المخرج العبقري الروسى “قسطنطين ستلانسلافسكي” في كتابه الشهير “إعداد الممثل” ، والذي يعد مرجعا عالميا لفن التمثيل: “إن أي فعل لا يستند إلى إحساس داخلي هو فعل لا يستدعي الانتباه، وإن أي فعل على الشاشة لابد له ما يبرره تبريرا داخليا ولابد أن يكون فعلا منطقيا ومتصلا ببعضه اتصالا معقولا وواقعيا”، وعلى حد قوله أيضا : “يجب على الممثل ألا يتخيل الأشياء دون أن يكون له هدف وراء هذا التخيل ومن أهم الأخطاء التي يمكن أن يقع بها الممثل هو أن يجبر خياله ويكرهه بدلا من أن يروضه ويلاطفه)، لذا قدم شخصية عميل المخابرات المصرية (سيف العربي) ببراعة وحرفية نابعة من تراكم خبرات عبر السنين وهو ماكتب لهذا العمل النجاح وحفز الجمهور على المشاهدة بكثافة.
ولم يكن نجاح أحمد عز وليد الصدفة في مسلسل (هجمة مرتدة) فقد سبقه نجاحات كثيرة لأحمد عز في فيلم “الشبح” الذي تميز بغموض أحداثه، وفيلم
“الرهينة” الذي ينتمي إلى نوعية الأكشن والإثارة، و”الخلية ” الذي لفت الأنظار لدقته والمستوى المرتفع لكل عناصره تقريباً، بشكل يبهر المشاهد الذي يود قضاء وقت ممتع في السينما، ويرضي المتخصص أيضا، ولا ننسى دوره في مسلسل (أبو عمر المصري) الذي جسد فيه دور الإرهابي الهارب من أفغانستان، ومسلسل (الإكسلانس) الذي يمثل لـ (عز) بطولة الكاريزما المتحركة، وربما ساعده في إتقان دوره أن المسلسل قوى، وكتب بعناية وحبكة درامية ليس لها مثيل، فكرة جديدة تسلب المشاهدين عقولهم، ومع ذلك لم يرى جمهوره بعد قدراته التمثيلية، فالمارد مازال قابع بداخله ساكن ينتظر فرصة جديدة لينطلق أكثر وأكثر في عالم التجسيد الدرامي.
بقلم
محمد حبوشه