موقع مصرنا الإخباري:
ما نراه الآن فى مجتمعاتنا العربية من المغالاة فى مهور الزواج ظاهرة تستحق التوقف، بل تحتاج إلى شحذ الهمم لمواجهتها إعلاميا ودينيا واجتماعيا وثقافيا، بعد أن تمادى كثير من الناس فيها، حتى وصلوا إلى حد الإسراف والتباهى فى تجهيز العرائس، فكم من بيوت يتم شحنها بأمور لا حاجة لها؟، وكم من خلافات بين أهل العروسين تتم على أتفه الأسباب، لدرجة أن الطرفين يتربصان لبعضهما وكأنهما عدوان فى معركة حربية؟، وكم من فتيات لم تلحقن بركب الزواج بسبب تعنت آبائهن؟.. وكم أمهات أصبحن من الغارمات بسبب جهاز بناتهن؟ وكم حالات تم تطليقها قبل الدخلة لحدوث خلاف فى شرط أو مطلب؟ وكم من حالات فُسخت خطوبتها لعجز طرف عن تحقيق مطلب؟ وكم من دعاوى قضائية رُفعت فى المحاكم سببها طمع طرف فى كسب مالٍ جراء وجود مؤخر صداق مرتفع؟ وكم من مهور عالية التكاليف شجعت أصحابها على التقاضى متغاضية عن الأمر الإلهى “أو تسريح بإحسان”.
وكم من شاب أعيته مغالاة المهور فامتلكته الشياطين حتى أضلوه ففسد اتجاهه وخسر أهله؟، وكم من فتاة ضلت فَجَرَّت الخزى على نفسها وعلى أهلها؟، وكم من زوج جلبت العداوة إلى قلبه تجاه زوجته لما يحدث له من ضيق مالى بسببها؟، وكم من طموح حُطم على صخرة الكبت وخيبة الأمل بسبب تعنت الوالدين فى المطالب؟، وكم من حرة مصونة ظلموها أهلها فتركوها بدون زوج بسبب هذه المغالاة؟ وكم أولاد وبنات شردوا بسبب انهيار أسرتهم لكثرة الخلافات المتراكمة قبل الزواج؟ لكن للأسف الكل يتناسى أن هدف الزواج هو السعادة لا الشقاء وهو اليسر لا العسر.
وما يثير العجب حقا، تحول الزواج القائم على المودة والمحبة إلى مباهاة كاذبة، فنرى فى بعض المجتمعات الريفية، استئجار 10 العربات لتكديسها بالأثاث والأجهزة والأدوات، والملابس، فالكل يتسابق لملء هذه السيارات متفاخرين بعددها، حتى ولو الشقة الزوجية لا تستوعب هذه الأشياء، كل هدفهم التفاخر، متناسين أن هذا يترتب عليه كثير من المفاسد.
والغريب أيضا، أن هؤلاء يحرصون على التمسك بهذه التقاليد والمغالاة عند تزويج ابنته أو ابنه، رغم أنهم يرفضونها عند التحدث عن الغير، أو أثناء الحديث فى حوار أو مناقشة، رافعين شعار الأنانية، ومبررهم “كل الناس بتفعل هذا” رغم أنه لا يختلف أحد على أن الأسرة التى تقوم على البساطة سواء فى المهور أو الجهاز أو المسكن أسرة سعيدة؛ لأنها لا ترى سعادتها فى المظهر أو المادة وإنما سعادتها فى التفاهم والتقارب والمراعاة بكافة جوانبها.
ونتيجة لانتشار هذه الظاهرة، نجد معظم الزيجات يتم ملىء بيوتها بأشياء لا حاجة للزوجين لها على الإطلاق مثل، حجرة الأطفال التى تتسبب أحياناً فى خلافات مع أن الأطفال لم تأت بعد!، وكذلك ما يُسمى بالنيش المملوء بأشياء مصيرها التكسير على يد الأطفال والأبناء، والآلاف التى تنفق فى حفل الزواج بلا داعٍ أو مبرر، وعشرات الأطقم من الملابس والحُلى رغم أن مصيرها التخزين والمناسبات، والولائم التى تقدم وأصحابها هم أحوج الناس إلى أموالها، لكن ماذا نفعل أمام التفاخر والتباهى؟
وهنا يجب تحكيم العقل وتطبيق صحيح الشرع لمواجهة هذه الظاهرة، فها هو شيخ الأزهر الإمام الطيب، دوما ما يطالب بضرورة تغيير مفهوم الزواج، مطالبا كل مسئول فى الإعلام ومنابر العلم والتعلّم عن تبليغ قيم الشرع السمحة للناس، وكيف أن بركة الزواج مرتبطة باليسر لأن هذا من مصلحة الزوج والمرأة جميعاَ، كما قال النبي الكريم، “خير النكاح أيسره”.
والعظيم أن كافة الديانات ترفض هذه المغالاة، فها هى الشريعة المسيحية تؤكد دوما أن الزواج الناجح فى المسيحية مبنى أولاً وأخيراً على حضور الله فى الأسرة وكل شىء بعد ذلك يدخل فى هذا النطاق.
وأخيرا.. فإن بركة الزواج مرتبطة باليسر، حيث قال النبى الكريم: أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً، و”خيرهن أيسرهن صداقاً”، وهو ما يوضح أن التيسير فى التكاليف تعقبه البركة فى الزواج والسعادة بين الزوجين بلا شك، لهذا يجب أن يعلم كل متورط، أنه يسير عكس روح الشرع وسلامة العقل، فما سيقام على المنافسة والمباهاة ستبعد عنه المودة والرحمة اللتان تعدان جوهر الزواج فى كافة الأديان، فكلنا أمل أن نعود إلى رشدنا حتى لا نشارك فى جلب المفاسد إلى بيوتنا بأيدينا، ونحن بكامل أهليتنا العقلية..