فى أغسطس المقبل من المقرر أن يغادر الدكتور شوقى علام مفتي الجمهورية منصبه بعد بلوغه السن القانونية للمعاش، بعد سنوات قضاها يؤدى دوره الوطنى فى قيادة جهود دارالإفتاء ومكافحة التطرف والإرهاب والأفكار المنحرفة لجماعات الظلام،وقد عودنا فضيلته منذ سنوات على حوار مع “الأخبار” خلال رمضان يفتح فيه صدره برحابة للإجابة عن كل تساؤلاتنا.
الإفتاء ليس مجرد ذكر حكم فى قضية طلاق أو ميراث، بل هو شامل لكل قضايا المجتمع ومسيرة دار الإفتاء انطلقت من الفهم الصحيح لرسالة الفتوى ودورها المهم الكبير فى استقرار المجتمعات وتحقيق الأمن ومواجهة التحديات ومواكبة المستجدات والخروج بالأمة من دياجر ظلمات الجهل والتطرف والإرهاب والإرجاف إلى نور العلم والعمل والاستقرار، بما يحقق مقاصد الشريعة ويبرز معنى أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان دارالإفتاء مؤسسة وطنية عريقة ضاربة فى أعماق التاريخ تعتمد المنهجية الصحيحة للدين، وتمارس مهام الإفتاء ونشر الفكر الوسطى الصحيح ومواجهة تيارات العنف والإرهاب بطريقة علمية مؤسسية فريدة.
كل جهد يبذل من أجل التنمية والرقى بالوطن مسجل فى سجل حسنات الإنسان،ومصر لن تسقط بحال من الأحوال لكثير من المقومات التى تكتنفها العناية الإلهية، حيث ذكر الإمام السيوطى أن مصر ذكرت فى القرآن أكثر من ٣٠ مرة، وذكرت ما يقرب من ٧٠ مرة تلميحًا، كما ذكرها النبى صلى الله عليه وسلم فى حديثه وأوصى بها حينما قال: “استوصوا بأهل مصر خيرا”..مفتي الجمهورية
الشريعة موجودة بالفعل ومطبقة فى مصر ولم تغب يومًا ما عن مجتمعاتنا، والدعوات التى تطالب بتطبيق الشريعة هى دعوات مغرضة؛ لأنها مطبقة بالفعل، ولكنهم يعملون على دغدغة مشاعر الناس مثلما فعل الخوارج فى عهد الإمام علي، ولذلك فإن معركتنا هى معركة وعى وعلينا أن نختار من المعلومات ما ثبت صحته ونحن نحتاج أن نكون فى وعى تام لأننا فى مرحلة حرب العقول؛ لذا يجب أن نلجأ للمتخصصين فى كل مجال للتثبت من كل أمر.
أفضل البرامج والمناهج التى يمكن أن تعين الإنسان هى المتناغمة ما بين المنهج الروحى والمنهج المادى وهذا ما أكدته أحدث الدراسات فى هذا الشأن وهذا يتفق تمامًا مع المنهج النبوى الشريف فلم يكن متعبدًا كل وقته ولم يكن غارقًا فى تسيير شئون الناس، بل كان متوازنًا طول حياته وبرغم حثه على التقوى والعبادة إلا أنه كان يشيد بأصحاب الأعمال والمهن؛ مرسخًا بذلك الموازنة بين الروحانيات والماديات.
لا نلتفت للاتهامات التى يوجِّهها المغرضون من أعداء مصر والهاربين للمؤسسات الدينية ومن بينها دار الإفتاء المصرية وليس فى مفرداتنا أن العداء للدولة هو من صفات العلماء،و ليس من معايير العالم الشرعى أن يخالَف وليُّ الأمر ولا القوانين ما دامت لا تتعارض مع صحيح الدين، بل إن الشرع يلزمه بالتعاون مع وليُّ الأمر واحترام القوانين طالما لا يوجد تعارض مع الضوابط الشرعية.
الخلط الذى يراه البعض نتيجة الحجم المطرد للفتاوى، يعكس حجم زيادة ثقة الناس بالمؤسسات الدينية وخاصة الإفتاء بعد ما تم استرداد هذه الثقة من الجماعات المتشددة التى أثرت على الناس لفترة من الزمن ونفرت الناس ظلمًا وبهتانًا من المؤسسات الرسمية الدينية وضخامة عدد الفتاوى الصادرة من الدار لا تعنى مطلقًا وجود وسوسة عند الأغلب من الناس، ولا تعنى كذلك المبالغة فى اللجوء إلى الدين على حساب الحلول الأخرى، لكن الردود والفتاوى تتعلق بجوانب شرعية غالبًا ما تشمل بيان الحكم الشرعى المطلوب..مفتي الجمهورية
ادعاء البعض بأن العلماء يسارعون فى تكفير غير المسلمين من أصحاب الأديان الأخرى ويتوقفون فى تكفير داعش غير صحيح فنحن متمسكون بمصطلح أهل الكتاب فيما يخص أصحاب الأديان السماوية، وتوسيع دائرة التكفير أمر خطير حتى إن محاسبة المتطرفين يجب أن تتم بما يقتضيه الشرع والقانون فالحكم بتكفير أى إنسان لا يكون إلا عن طريق القضاء، ولا يتم إلا بعد التحقق الدقيق من الأمر، ولا يجوز لأحد من الأفراد أن يكفر أحدًا وكل فتاوى دار الإفتاء صريحة بأن مصطلح أهل الكتاب ينبغى أن يبقى مع النص القرآنى كما هو وبأحكامه.
ندلى برأينا فى بعض القضايا الاقتصادية والسياسية، والتى يعتبرها البعض خارج تخصصنا عندما يرتبط الأمر بشق شرعى وبعد سؤال الناس عن الأمر، وعندما نتحدث لا نجامل طرفًا، فنحن لسنا مسيسين ولكن نقوم بواجبنا.
فيروس كورونا ليس عقوبة من الله، ولكنه بمثابة اختبار وابتلاء لنقف مع أنفسنا كى نعود إلى رشدنا ونصحح أخطاءنا.
المصدر بوابة اخبار اليوم