موقع مصرنا الإخباري:
مع نهاية الحرب العالمية الثانية، انتهت عصور التعددية القطبية المتصارعة على التفوق الاستعماري بالشكل التقليدي، واتخذ الاحتلال مظهراً أكثر أناقة يتمثل في الهيمنة الاقتصادية، في محاولة لتجنب الوقوع في البئر التي لا نهاية لها لعالم ثالث.
وتطورت الهيمنة السياسية إلى كتلتين عالميتين، هما الاتحاد السوفييتي في الشرق باعتباره جسد الاقتصاد الشيوعي، ومقصداً للمهمشين سياسياً والمهزومين في الحرب من جهة، والولايات المتحدة، تليها القارة القديمة. وأوروبا كرئيسة للاقتصاد الرأسمالي في الغرب من جهة أخرى. واستكمالاً لمظاهر السيطرة قامت الكتلة الشرقية بتأسيس حلف وارسو العسكري لمواجهة الناتو الغربي.
ومع تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، انهار الحلم الشيوعي، وانهار معه حلف وارسو، فيما حصل القطب الأميركي وحليفه الأوروبي على الكعكة بأكملها. لم تمت الشيوعية وحاولت النهوض من خلال كتل صغيرة استطاعت تحقيق بعض المكاسب الاقتصادية، لكنها لم تصل إلى مستوى القدرة على منافسة الكيان الرأسمالي الذي لم ولن يسمح بتوسع انتصارات خصمها.
وتدريجياً اتخذت الصين خطوات وغيرت بنيتها السياسية بعض الشيء حتى أصبحت قادرة على منافسة الدول الرأسمالية الكبرى في أسواقها ومستعمراتها في الشرق الأوسط وأفريقيا. وفعلت الهند الشيء نفسه حتى أصبح كلاهما ثقلاً تنظر إليه رأس المال الغربي بعين النسر.
في عام 2001، صاغ الاقتصادي البريطاني جيم أونيل، مدير بنك جولدمان ساكس في ذلك الوقت، مصطلح “بريك” كاسم مختصر لدول البرازيل وروسيا والهند والصين، في إشارة إلى ثقلها الاقتصادي المتنامي كقوى صاعدة. . وتأسست “بريكس” عام 2006 وتأسست عام 2009، وانضمت إليها جنوب أفريقيا عام 2011، صانعة اسمها الجديد “بريكس”.
والدول الخمس أعضاء في مجموعة العشرين، لكنها تحافظ على اجتماعاتها الرسمية السنوية. ويرى المراقبون أن أهمية البريكس تأتي من توسع مساحتها الإجمالية، والزيادة الكبيرة في عدد السكان والمستهلكين، وغناها بالموارد الطبيعية، والزيادة السريعة في الدخل القومي.
إنني أعتبر ظهور مجموعة البريكس محاولة من جانب الشيوعية المتحولة لحفر نفق تحت جبل الرأسمالية القوي، في سعيها للتحرك نحو عالم متعدد الأقطاب، وتعتزم القيام بدور رئيسي في تنظيم العلاقات الدولية. لقد خلقت رابطتها السياسية على أساس رفضهم للهيمنة الغربية على الاقتصاد والسياسة العالمية.
بدأت البريكس في إنشاء مؤسساتها المالية الخاصة، والتي تحاول أن تكون بديلاً لعناصر النظام الدولي الحالي، لأنها غير قادرة على زيادة نفوذها داخل مؤسساتها. ولذلك، أنشأت بنك التنمية الجديد في شنغهاي، العاصمة الاقتصادية للصين، في عام 2014 كنظراء للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يسار) والرئيس الصيني شي جين بينغ (يمين) يتصافحان خلال اجتماع ضمن قمة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا (بريكس)، في شيامن، الصين في 5 سبتمبر 2017 [الرئاسة المصرية/نشرة/وكالة الأناضول]
وتحاول مجموعة البريكس التنافس مع الاتحاد الأوروبي ومجموعة العشرين ومجموعة السبع، لكن بعض العيوب في هيكل الكتلة الجديدة قد لا تصل إلى حيث تريد.
البريكس ليست منظمة رسمية تخضع للقانون الدولي، وقممها السنوية عبارة عن اجتماعات تشاورية، ومن الصعب على دولها الأعضاء أن تمثل سوقا مشتركة للتجارة الحرة أو صياغة عملة موحدة لها.
تتوزع دول البريكس على أربع قارات وهي مزيج متميز من حضارات مختلفة تفتقر إلى التماسك التاريخي أو التقليدي أو الثقافي أو الأيديولوجي وتعاني من اختلاف الأنظمة الاجتماعية والقانونية والسياسية، وعدم تشابه أولويات سياساتها الاقتصادية والصراعات بين بعض بلدانهم، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لدى البعض الآخر.
واتفقت البريكس على ضم ست دول جديدة تنضم إليها سياسيا مع بداية عام 2024، وهي السعودية والإمارات ومصر والأرجنتين وإثيوبيا وإيران، وهو ما سيغير اسم المجموعة إلى بريكس بلس.
وتزامن قبول مصر في البريكس مع قبول السعودية والإمارات، مؤسسي النظام المصري، وتماشيا مع إشراف روسيا على الحفاظ على قيادتها الحالية. وكشف السفير الروسي في القاهرة، جورجي بوريسينكو، عن دعم روسيا لطلب مصر الانضمام إلى المجموعة.
وأعربت وسائل الإعلام المصرية عن احتفال المؤسسة الحاكمة المصرية بالحدث وامتنانها الكبير وتطلعاتها الكبيرة للوصول إلى حلول سحرية لأزمات مصر. وأعتقد أن ما على سبيل المثال وما تقوم به وسائل الإعلام اليمنية هو محاولة لحفظ ماء الوجه عالمياً بسبب الفشل المتصاعد للسياسات، ومحلياً من أجل الترويج للرئيس الحالي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المحددة النتائج.
إن كل الاتفاقيات التي يتم التوصل إليها عالمياً بين الدول القوية وغيرها من الدول العاجزة تعتمد بشكل أساسي على حجم التنازلات التي سيقدمها الطرف الضعيف وحجم الفوائد التي سيجنيها القوي. إن نظرة سريعة على الاقتصاد المصري المنهك تظهر لنا بسهولة أن مجموعة البريكس ستأخذ منه أكثر مما ستعطيه، حيث تستمر الأنظمة الاقتصادية العالمية المختلفة في إبقاء مصر بين الحياة والموت.
إذن، ما أسباب انضمام مصر إلى البريكس؟ أولا، تعتبر مصر المصب الوحيد لطريق الحرير البحري، وهو ما يمثل هدفا رئيسيا للصين لتوسيع حركة النقل برا وبحرا. ثانياً، النظام المصري هو المؤسسة العسكرية في المنطقة التي تقف حجر عثرة في وجه توسع النظام الرأسمالي الغربي. ثالثا، النظام المصري هو المروج لسياسات دول البريكس في المنطقة. رابعا، تمتلك مصر نسبة كبيرة من مستهلكي السلع غير الجيدة. خامساً: تتميز مصر بأنها مدخل شمال أفريقيا، كما أن إثيوبيا هي مفتاح وسطها، وجنوب أفريقيا هي المسيطرة على قاعها. ومن ثم، سوف تتوسع البريكس إلى أفريقيا وآسيا وبعض دول قارتي أوروبا وأمريكا الجنوبية.
وهذا تخطيط طموح من جانب مؤسسي مجموعة البريكس، ولكن هل يستمر؟
دعونا نشاهد ونرى.