انتقادات حادة وجريئة أطلقها رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس بحق الدولة المصرية، وسيطرة الجيش على الاقتصاد، كانت مثيلاتها وأقل منها سببا في حبس من تجرأ على التفوه بها من رجال الأعمال ومصادرة أموالهم.
والأحد، 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أجرى ساويرس (67 عاما) حوارا مع وكالة “الأنباء الفرنسية”، بمنتجع “الجونة” في البحر الأحمر المملوك لعائلته الأغنى أفريقيا؛ انتقد فيه وضع الاقتصاد المصري وتغول شركات الجيش المصري فيه.
وقال إن “تدخل الحكومة في القطاع الخاص سيخلق منافسة غير متكافئة بين الشركات الخاصة والشركات التابعة للدولة أو الجيش”.
وأضاف: “يجب أن تكون الدولة جهة تنظيمية وليست مالكة للنشاط الاقتصادي”، ليدخل دائرة ممنوع الحديث فيها، مؤكدا أن “الشركات المملوكة للحكومة أو للجيش لا تدفع ضرائب”.
ولفت إلى أن “المستثمرين الأجانب خائفون بعض الشيء”، وقال: “أنا نفسي لا أخوض عروضا عندما أرى شركات حكومية إذ إن ساحة اللعب لم تعد متكافئة”.
وفي تعليقها على حديث ساويرس أشارت الوكالة الفرنسية إلى سيطرة الجيش على قطاعات عديدة منذ العام 2014، حين تولى قائد الجيش عبدالفتاح السيسي السلطة إثر انقلاب عسكري على الرئيس الراحل محمد مرسي منتصف 2013، مؤكدة أنه لا توجد أي أرقام رسمية حول الوضع المالي للجيش.
ساويرس، ثاني أغنياء مصر بثروة تقدر بـ3.1 مليار دولار، بعد أخيه ناصف ساويرس الأغنى مصريا بنحو 9 مليارات دولار، وفق تصنيف مجلة “فوربس” الأمريكية.
لكن؛ المثير أن انتقاداته تأتي في الوقت الذي تحظى فيه شركات عائلته “أوراسكوم للإنشاء” بحصة كبيرة من مشروعات السيسي المليارية بالعاصمة الإدارية ومعظم المحاور والطرق المرورية الجديدة، ومشروعات النقل العملاقة مثل مشروع “المونوريل”.
جرأة ساويرس التي لم تكن هي الأولى، بل سبقتها انتقادات مماثلة، قبل نحو عام لنظام السيسي وتوجهاته الاقتصادية، وسيطرة الجيش على الاقتصاد، تسببت في انقسام بين المصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ورأى مراقبون أن نجيب ساويرس خط أحمر لا يستطيع نظام السيسي الاقتراب منه أو عقابه، لأسباب أهمها أنه شريك الانقلاب العسكري ومدعوم من الكنيسة الأرثوذكسية في مصر.
وأضافوا أنه تحت الحماية الأمريكية، وكذلك لدى الكيان الإسرائيلي مصالح جمة جمعته سابقا مع ساويرس،خاصة في ملف الاتصالات مع شركته السابقة “موبينيل”.
وعلى الجانب الآخر، رأى مراقبون أن نظام السيسي ليس لديه عزيز، وأنه قد لا يصمت طويلا على تصريحات ساويرس، وتدخلاته الدائمة في سياسات النظام واستراتيجياته الاقتصادية، ضاربين المثل بعشرات رجال الأعمال والشخصيات النافذة والعسكريين الذين عاقبهم.
ووسط ذلك الجدل وجه أنصار النظام انتقادات لاذعة لساويرس، قادها الإعلامي والبرلماني مصطفى بكري، عبر “تويتر”.
نجيب ساويرس لايتوقف عن توجيه اللوم إلي الدوله لأنها كما يقول لاتساوي بين القطاعين العام والخاص ، هذا كلام يفتقد إلي الموضوعيه والمصداقيه ، فالقطاع الخاص له دور رئيس في عملية التنميه وأكبر دليل علي ذلك هو مشاركة شركات ساويرس مع الدوله ومع القوات المسلحه التي تقف بحسم
وتعرض كل من تحدث عن إمبراطورية الجيش إلى السجن والتنكيل، وبينهم رئيس الجهاز المركزي الأسبق المستشار هشام جنينة، حينما تكلم عن أن الفساد في مشروعات الدولة تعدى الـ600 مليار جنيه، ملمحا إلى امبراطورية الجيش.
وتعرض رجال الأعمال حسن مالك، وصلاح دياب، وصفوان ثابت، وسيد السويركي، وغيرهم للحبس لأسباب مختلفة وبتهم مشتركة أغلبها تمويل جماعة إرهابية والانتماء إلى تنظيم محظور بهدف قلب نظام الحكم.
والسؤال: لماذا يصمت نظام السيسي على انتقادات نجيب ساويرس، وهل ما يملكه الأخير من دعم كنسي وغربي وإسرائيلي يمنع عنه بطش السيسي؟
في إجابته على تلك التساؤلات، قال الباحث السياسي، عباس قباري: “للمؤسسة العسكرية وساويرس علاقة شراكة قديمة سياسية واقتصادية”.
نمطية متفق عليها
وفي حديثه لـ”عربي21″، أوضح قباري، أن ساويرس “الشخصية التي فرضها الجيش بجميع لقاءاته مع القوى الثورية والسياسية عقب ثورة يناير، والوجه المرحب به على موائد المفاوضات وقتها، وعضو لجنة الحكماء التي شكلت حينئذ”.
وأضاف أنه “أحد الأعضاء الستة بمجلس أمناء صندوق (تحيا مصر)، وخرجت من دوائر اتصالاته والأفراد المحيطين به معظم الترشيحات للمناصب المالية وأبرزها الصندوق السيادي”.
ويعتقد المحامي والناشط المصري أن “تصريحات ساويرس عن الجيش ليست جديدة، وصرح بمثلها في 2016 و2019 و2020 لصحف ووكالات أنباء عالمية”.
ويؤكد أن “هذه التصريحات تأتي في إطار نقاشات ترويجية لتوجهات جديدة من النظام الحاكم ذاته يلعب فيها ساويرس دور المعارضة المتزنة مسموعة الكلمة التي تساهم في التمهيد لإجراءات اقتصادية ونقلات نوعية في شكل النظام المالي للمؤسسات المملوكة للجيش”.
ولفت إلى أنه “على سبيل المثال فقد عاصرت تصريحات مماثلة إجراءات قام بها الجيش بشأن بيع شركات (صافي) و(وطنية) التابعتين للجيش، عندما قرر الانتقال لنموذج الصندوق السيادي”.
وهنا يرى قباري، أن “تصريحات ساويرس نمطية متفق عليها أو جرى تمرير مضامينها من واقع النقاشات التي يحضرها ساويرس باستمرار في مجالس المشاورة المالية ودوائر الشراكة الاقتصادية”.
“أما المفارقة بين الجيش وساويرس إن حدثت فستتخذ إجراءات جدية أكثر من مجرد تصريح صحفي يخرج بموجبها من عضوية العديد من المجالس المالية والشراكات الاقتصادية والمشروعات المليارية التي يشارك فيها القوات المسلحة”، يختم الباحث حديثه.
عقابه يُغضب الصندوق
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكرالله، إن “ساويرس أحد صناع الانقلاب، وتبارى للمشهد السياسي بعد ثورة يناير واشترى فضائيات ودشن حزبا سياسيا، وكان ذراعا مهمة للانقلاب حتى انقلب عليه النظام”.
وأضاف لـ”عربي21″: “ولا أستطيع تسمية هذا بانقلاب ولكنه تسليم وتسلم للحزب السياسي والفضائيات في إطار مبادلات وسيطرة الأجهزة الأمنية على الإعلام والأحزاب”.
وتابع: “آل ساويرس مدعومون من الكنيسة واللوبي الأمريكي الصهيوني بامتياز؛ إضافة إلى أن لهم استثمارات بمصر والعديد من الدول، وشبكة نفوذ وعلاقات قوية، كل هذا يجعل تقاطع السلطة مع ساويرس له خصوصية بخلاف بقية رجال الأعمال”.
ذكرالله، أوضح أن “هذا لا يعني أن السلطة لا تستطيع أو لا ترغب في معاقبته على تصريحاته ولكن يجب أن يكون هذا العقاب بحساب”.
ولفت إلى أنه “بالفعل انطلقت أبواق الإعلام المصرية المعتادة من النائب مصطفى بكري وبرامج الفضائيات المملوكة للأجهزة الأمنية على ألسنة نشأت الديهي ومحمد الباز وغيرهما لمهاجمة ساويرس ومشروعات بعينها ويهددونه، وهكذا تكون البداية مع معظم من نكل بهم النظام”.
وقال الخبير المصري: “يجب أن لا ننسى أن ما يقوله ساويرس نقطة مما يؤكد عليه صندوق النقد الدولي الذي أعلن بكافة تقارير ومراجعات الاقتصاد المصري أن هناك تغولا من الدولة ممثلا من الأجهزة الأمنية والجيش والحكومة على القطاع الخاص”.
ويرى ذكرالله، أن “التعرض لساويرس الآن بالطريقة التي حدثت لرجل الأعمال صفوان ثابت لن يكون ذا جدوى من وجهة نظر الحكومة لأنه قد يصنع مشكلة مع صندوق النقد الذي يقول نفس كلام ساويرس”.
ويعتقد أن “ساويرس، لن يتعرض له أحد، ولكن ربما يعاقب جزئيا عبر مشروعاته، أو بأوامر عدم إسناد مشروعات جديدة له، وسيخضع في النهاية لتفاهمات، كما خضع في محطته الفضائية وحزبه السياسي”.
يحميه مركزه المالي
على الجانب الآخر، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، أن “ما قاله ساويرس كان نقدا عاديا للنظام الاقتصادي، ونقدا لنظرية اقتصادية معروفة، وهي نظرية تملك الدولة للنشاط الاقتصادي”.
وفي حديثه لـ”عربي21″، أوضح أن “الرجل يقدم دعمه لنظرية الدولة الحارسة، وقد سبقه في ذلك بعض رجال المال والأعمال، وأولهم الراحل المهندس حسين صبور”.
وأضاف أن “الدولة حاليا بدأت مصالحة واسعة مع رجال الأعمال، وأصبحت العلاقة بين رجال المال ورجال الحكم حاليا أقرب إلى علاقة الشراكة منها للمنافسة”.
عبدالمطلب، جزم بأن “نقد تدخل الدولة بالحياة الاقتصادية، أو الاعتراض على سيطرة شركات القوات المسلحة على جزء كبير من خطة الإنشاءات وتطوير البنية الأساسية لم يعد يُغضب الدولة ولا يستفز النظام، وأصبح يتم التعامل معه حاليا برحابة صدر”.
وتابع: “أما كون ساويرس كان داعما ومشاركا في 30 يونيو 2013، أو مدعوما من الخارج أو تحميه الكنيسة المصرية، فلا أعتقد أن هذا له دخل بالنشاط الاقتصادي، والأمر فقط متعلق بقوة مركزه المالي ومشاركته الفعالة بتنمية الاقتصاد”.
الخبير المصري أشار أيضا إلى أن “تصريحات ساويرس وجهة نظر تتبناها النظرية الاقتصادية الرأسمالية، حيث يريد ساويرس وغيره أن تسند إليهم الدولة تنفيذ خطتها للإعمار والتنمية، ويعملون فى ظل منافسة مريحة لهم، وفي ظل قواعدهم هم بعيدا عن منافسة الدولة”.
المصدر: عربي21