موقع مصرنا الإخباري:
تتوالى صور المأساة من تركيا وسوريا، لهول ما حل بالبلدين جراء الزلزال الذي أودى بحياة الآلاف وخلف الكثير من الأضرار، والتقطت عدسة كاميرا مصوري وكالات الأنباء الدولية، وأظهر مقطع فيديو متداول لحظة مذهلة لإنقاذ طفلة سورية من تحت الركام في محافظة إدلب؟، وتمكن رجال الإنقاذ من إخراج الطفلة بأيديهم، وهم يطمئنونها بأن والدها قريب بجانبها، وخرجت الطفلة (نور) من تحت الركام، وجهها مغطى بالغبار، في بلدة “جنديريس” التي تسيطر عليها المعارضة شمال حلب، والتقطت مقاطع فيديو أخرى، إنقاذ طفل آخر حوصر ووالدته تحت الأنقاض لأكثر من 20 ساعة، وتظهر المشاهد المتطوعين يخرجون الطفل الصغير بعناية من مبنى منهار وسط تساقط كثيف للأمطار، طفل ثان اسمه (أحمد)، تم انتشاله من تحت الركام في قرية قطمة شمال حلب، وخرج أحمد مغطى بالغبار، وهو يبكي قبل نقله لتلقي العناية الطبية.
قصص مأساوية ومؤلمة خلفها الزلزال الذي ضرب سوريا، فجر الاثنين، موديا بحياة آلاف الأشخاص، في حين يسابق عناصر الإنقاذ الزمن لإخراج العالقين من تحت الأنقاض، وفي مقطع انتشر كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر أحد الأشخاص وهو يحاول إنقاذ طفلة عالقة تحت الركام بسوريا، كما تظهر الطفلة تمد يدها من تحت التراب أملاً في الخروج، فيما يردد الرجل: “عطيني إيدك يا قلبي”، يأتي ذلك فيما تتواصل عمليات البحث عن ناجين غداة الزلزال القوي الذي أودى بحياة أكثر من 12 ألف شخص في تركيا وسوريا وفق أحدث حصيلة.
ما بين الموت والفقد من جهة، والبرد والخوف من التشرد من جهة أخرى، لحظات إنسانية كثيرة يعيشها الناس من حول العالم وهم يترقبون مصير العالقين تحت الأنقاض، وتواصل المقاطع المؤثرة، المصورة من داخل مناطق زلزال تركيا وسوريا، بالتدفق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بين المقاطع القاسية التي انتشرت عبر السوشل ميديا، لحظات إنسانية مؤثرة توثق إنقاذ رضيع مع عائلته من تحت أنقاض منزلهم المدمر في بلدة “جنديرس” التابعة لمنطقة عفرين بريف حلب.
في الفيديو يظهر رجال منظمة الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” وهم داخل أحد المباني ينقذون عائلة سورية من تحت الركام، فنسمع صوت الوالد يستغيث بهم ويقول: “أولادي راحوا”، ثم نبدأ بمشاهدة أيدي الأطفال التي استطاعت وحدها أن تنجو من تراكم الحجارة فوقها، التي غطت باقي الأجساد، بينما تظهر طفلة صغيرة والدماء تسيل من ذراعها وعليها آثار الحجارة التي كان بعضها عالقاً برأسها ووجهها، قبل أن تظهر المفاجأة: الرضيع المسجّى بغطاء.
يجسد المشهد مأساة من جملة المآسي التي تسببت بها كارثة زلزال سوريا المدمر، الذي تزامن مع منخفض جوي حاد وظروف معيشية وإنسانية صعبة في سوريا، ولا يوثق المقطع عملية الإنقاذ فحسب، بل يسجل حوارا مؤثرا يفطر القلوب بين الطفلة “ليلاس” التي تقول ببراءة بين ركام الحجارة، إنها دخلت في سن العاشرة، ليرد عليها أحد رجال الإنقاذ: “ما شاء الله”، لعله يمسح عنها القليل من الصدمة التي تعيشها.
ولعل أقسى ما قالته الطفلة جاء لحظة انتشالها من بين الركام، بعدما سألها المنقذ فيما لو كان لا يزال أحد عالقاً في الداخل، لتجيب: “عمو إخوتي جوا بس ميتين وأمي”، في الوقت ذاته نشر فريق ملهم التطوعي في سوريا، الثلاثاء 7 فبراير 2023، تسجيلا مصورا يظهر طفلا صغيرا يأكل الموز، ووجهه ملطخ بالدماء وعليه آثار كدمات جراء زلزال سوريا، بينما أوضح الفريق السوري على صفحته بتويتر: “كنا نوزع الطعام للناس والمتطوعين من الدفاع المدني والجرحى رأينا هذا الطفل، قال الممرض ليس له أحد، مات أهله وهو وحيد، أعطيناه موزة أكلها بهذه الطريقة، متعب جدا، وأثر العطش عليه واضح.
وأضاف فريق “الإنقاذ” التطوعي السوري: “لا نعلم لماذا نوجع قلوبكم معنا، لكن يجب أن تعرفوا قصصهم، وأن تروا كم هم متعبون، وتدعوا لهم من قلبكم”، على جانب آخر وثق فتى سوري الوضع الكارثي الذي عاشه تحت الأنقاض إثر زلزال تركيا وسوريا المدمر، من خلال مقطعٍ مصور يقول ببدايته: “لا أدري فيما لو سأموت أو سأعيش”، وتداول ناشطون عبر مواقع التواصل المشهد، الذي تظهر فيه بوضوح أيضا أصوات عائلات تستغيث من تحت الركام، من أجل إنقاذها، حسابات أخرى تناقلت الفيديو أشارت إلى أنه مصوّر في منطقة جنديرس، التابعة لعفرين بمدينة حلب شمالي سوريا، والتي تضررت من الزلزال.
وبينما ينطق الفتى الشهادتين من تحت الأنقاض ويحمد الله “على كل شيء”، يضيف بالقول: “إذا هاد الفيديو نزل (نشر) فالحمد لله بكون طلعت وضليت عايش”. وتسمع أصوات عائلات من تحت الأنقاض بانتظار المساعدة، في خلفية الفيديو، وفي الأثناء ذاتها تحدث هزات ارتدادية تزيد من حالة الذعر الذي يخيّم على الموقف، وفي فيديو يهز المشاعر انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر طفلة سورية تحت الأنقاض مع أختها الصغيرة التي تحمي رأسها خوفا من وقوع الركام عليها، المقطع المصور أظهر الصغيرة وهي تضع يدها فوق رأس شقيقتها وتحتضنها إلى صدرها، وهي تتحدث مع أحد المسعفين، الذي سألها عن أختها آية الصغيرة والألعاب؛ في محاولة لتهدئتها حتى انتشالهما.
وفي عبارة تدمع لها العين، قالت الطفلة للمُسعف: “عمو طلعني.. وأعمل لك اللي بدّك، أنا خدامة عندك”، وفي فيديو نشرته إحدى الوكالات، وصل رجال الإنقاذ الذين يعملون على أنقاض أحد الأبنية المنهارة إلى طفل صغير نائم وسط الحطام، أنقذ الصبي الذي كان نائما، والذي لم يستطع إخفاء دهشته، فسأل المنقذين: “ماذا حدث؟”، بعدما فوجئ بالزحمة حوله، ليرد عليه أحد الرجال: “لا يحدث شيء” ثم يقول آخر: “أنت بطل يا بني”، قبل أن يقول رجل ثالث: “صباح الخير”، وفي مشهد “احتفالي”، تخلله التهليل والبكاء في آن، استطاعت فرق الإنقاذ إخراج عائلة سورية كاملة من تحت الأنقاض في الشمال السوري بعد أربعين ساعة كاملة قضتها أسفل الركام الذي منع عنهم الحركة، وبمجرد إنقاذ الرجل وزوجته وأطفالهما، عمت الفرحة في أرجاء المكان ووثق الكثيرون هذه اللحظات وتداولوها عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ولم يطل الزلزال المدمر فقط البشر بل طال الحجر أيضا، فقد كشفت المديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا، يوم الاثنين، عن الأضرار التي تعرضت لها العديد من المواقع الأثرية بعد الزلزال القوي الذي ضرب البلاد، وقالت المديرية في بيان على صفحتها الرسمية في فيسبوك: “تفيد التقارير الأولية الواردة من بعض المحافظات عن أضرار طالت بعض المواقع الأثرية نتيجة الهزة الأرضية، تعرضت قلعة حلب لأضرار طفيفة ومتوسطة منها سقوط أجزاء من الطاحونة العثمانية، وحدوث تشقق وتصدع وسقوط لأجزاء من الأسوار الدفاعية الشمالية الشرقية”.
وأضافت: “سقطت أجزاء كبيرة من قبة منارة الجامع الأيوبي، وتضررت مداخل القلعة وسقطت أجزاء من الحجارة ومنها مدخل البرج الدفاعي المملوكي، وتعرضت واجهة التكية العثمانية لأضرار”، وأوضحت المديرية وقوع أضرار لبعض “القطع الأثرية المتحفية داخل خزن العرض، وظهرت تصدعات وتشققات على واجهة المتحف الوطني في حلب”.
ووفق البيان: “يعاين الفنيون في مديرية آثار حلب المدينة القديمة التي تعرضت لأضرار وانهيارات وتصدعات في الكثير من المباني السكنية الخاصة، حيث تعرض حي العقبة التاريخي المتاخم لسور المدينة الغربي لأضرار وانهيارات وهو غير بعيد عن باب أنطاكية، كذلك الأمر في حي الجلوم التاريخي حدثت أضرار إنشائية بالغة منها سقوط أسقف غمس وجدران وأجزاء من واجهات. كما تأثرت بيوت خاصة تاريخية في جادة الخندق وأضرار متوسطة وطفيفة، وتفيد المعلومات بسقوط عدد من مآذن الجوامع التاريخية في حلب”.
وبالنسبة لمدينة حماة، قالت المديرية: “تأثرت مبان تاريخية في محافظة حماة ما أدى لسقوط أجزاء من بعض الواجهات التاريخية لهذه المباني ومنها سقوط لواجهة عقار تاريخي أُثري على ارتفاع طابقين من شريحة الجلاء وحدوث تشققات وتصدعات في واجهات وجدران مبانٍ أخرى تاريخية”، وتابع البيان: “في حي الباشورة التاريخي تضررت واجهة العقار 982 من المنطقة العقارية الثانية بسقوط جزء من واجهته الرئيسية وتصدعه، ومن مدينة السلمية أفادت التقارير عن سقوط الجزء العلوي لمئذنة جامع الإمام إسماعيل، ما أدى إلى تصدع واجهة الجامع بسبب سقوط الأجزاء المذكورة عليها، وشوهدت أجزاء متساقطة من الجدران الخارجية لقلعة شميميس”.
وتحدث البيان عن الأضرار المسجلة في طرطوس قائلا: “وردتنا معلومات عن تضرر بعض المباني داخل قلعة المرقب، أضرار طفيفة ومتوسطة منها سقوط أجزاء من حجارة بعض الجدران أو واجهات المباني، ومنها سقوط كتلة من برج دائري في الجهة الشمالية، حيث الأبراج الدائرة الشمالية. أدت الهزة إلى سقوط الجرف الصخري في محيط قلعة القدموس وانهيار بعض المباني السكنية المتوضعة في حرم القلعة”.
بين زلزال مدمر وحصارٍ أكثر تدميرا، تلملم سوريا ضحاياها من تحت الرّكام، وبالحديث عن سوريا وضحاياها، يبرز النفاق الدولي والإنسانيّة المجزأة اللذان ظهرا بأبشع صورة منذ الساعات الأولى لوقوع الكارثة، دمر الزلزال ما صدعته العقوبات، ولكنه لم ينجح في تحريك ضمائر العالم إزاء حجم المأساة السورية أمام تهافت غربي على إرسال المساعدات إلى المناطق المنكوبة في سوريا، غابت الحماسة الدولية نفسها في تحدي العقوبات الأميركية وانتشال السوريين من تحت أنقاض الحصار.
وفي ظل حاجة سوريا الملحة إلى أوسع دعم بالمعدات والاختصاصيين، ينصاع الغرب مرة أخرى لأوامر واشنطن التي تعرقل بعقوباتها أي أمل للسوريين بإغاثة المنكوبين العالقين تحت الركام، والذين تتضاءل فرص نجاتهم مع تقدّم الوقت، فأمريكا تمنع المساعدات الإنسانية عن سوريا بعد الزلزال، فالقانون الأمريكي بحسب إحدى مواده يحظر تقديم الدعم الأجنبي لسوريا، و”يطال أي شخص أو كيان يوفر دعما ماليا أو تقنيا أو ماديا ما، أو ينخرط في صفقة كبيرة مع الحكومة السورية بما في ذلك أي كيان تملكه الحكومة”
إن “قانون قيصر” والكبتاجون وحرب التجويع، والحصار الظالم الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية – ولا تزال – مع حلفها الأوروبي ضد سوريا، يعيق بالنتيجة وصول المساعدات الإنسانية من كل شكل ولون ومن كل جهة إلى دمشق، في ظل الكارثة التي تعاني منها جراء الزلزال الذي خلف آلاف الضحايا، وبسبب هذه القوانين المجحفة والظالمة، والحصار الأمريكي والأوروبي، تخلفت دمشق كثيرا عن تنمية قطاعاتها الإنتاجية وبنيتها التحتية، بما في ذلك إصلاح أضرار المنازل والأبنية وتدعيمها، جراء الحرب والانفجارات التي تعرضت لها، ما أدى إلى اتساع حجم الخسائر والضحايا.
وبعد كل ما مضى من مآس إنسانية يندى لها الجبين لابد من التدخل لإسناد سوريا، مثلما أقدمت دول عربية لتقديم المساعدات لسوريا، للمساهمة في تسريع كسر الحصار ووقف الحرب الظالمة بأشكالها المختلفة، والتخلص من الحصار وحرب التجويع الذي يمارس ضد الدولة السورية كي تتمكن من إنقاذ ضحايا هذا الزلزال المخيف الذى زاد من حدة المأساة السورية الحالية جراء حرب قاسية عصفت بكل مكونات الشعب السوري الشقيق.
المصدر: اليوم السابع