موقع مصرنا الإخباري:
دفترة السيرة المصرية فيه صفحة قديمة شوية، من القرن اللى فات، من حوالى 150 سنة، حصلت حاجة بسيطة، فكرة طقت فى دماغ راجل عصبى ودايما متوتر وبيزعق، لدرجة أنهم سموه «الزرزور».
بس فكرة عمنا «الزرزور» كانت فكرة خير بسيطة، جت فى دماغه عشان يساعد بيها العمال الغلابة اللى شغالين فى بناء قصر عابدين، كبرت وتطورت وبقت فى النهاية شغلانة بيشتغل فيها بتاع 3 آلاف و876 شخص طبقا لإحصائيات سنة 1870، واللى شغالين فيها كان يلزمهم مكان، والمكان بقى اسمه حارة السقايين، ومن حارة السقايين طلعت شفيقة القبطية، والشاعر الكبير أحمد رامى، وبقى قصر عابدين، بالحلاوة والجمال والعظمة اللى إحنا شايفينها دلوقت.
الخديوى إسماعيل كان راجع من أوروبا ودماغه بتفكر فى حاجة واحدة بس، المحروسة لازم تبقى جميلة، تبقى أجمل من باريس وعواصم أوروبا، طيب نعمل إيه؟! إحنا نعمل تخطيط لمدينة عظيمة فى وسطها قصر اللى يشوفه ينبهر، يفقد النطق من كتر الجمال والسحر.
الشغل بدأ ومصر بتحلو، بس فى مشكلة صغيرة المكان اللى عاوزين يعملوا فيه القصر موجود فيه بيت قديم ملك القائد عابدين المملوكى، طيب التخطيط هيبوظ مننا ولا إيه؟! الخديوى إسماعيل قال لأ، نشترى البيت القديم بالأرض اللى حواليه ونبنى القصر الجديد وعشان أنا مش راجل منفسن، وقلبى طيب هنسمى القصر الجديد قصر عابدين وعشان نية الخديوى، كانت خير ربنا سهلها على الآخر.
اتجمع المهندسين، والعمال، وبدأ الشغل، الدنيا صيف ودرجة الحرارة صعبة والعمال مش عارفين يشربوا إزاى وبيقعوا واحد ورا التانى، فجأة ظهر «حكيم» الضابط التركى العجوز اللى وقع فى حب مصر وعاش فيها وقال والله ما أنا راجع تركيا دى تانى أبدا، المحروسة أبقى وأجمل.
«حكيم» كان راجل عصبى، بيموت فى النظام ومابيحبش الحال المايل، عشان كده الناس سموه «حكيم الزرزور»، عمل إيه بقى عمنا «الزرزور» شقلب الدنيا من فوقها لتحتها بشوية ميه؟!
الراجل صعب عليه العمال اللى بيشتغلوا فى بناء القصر بتاع جناب الخديوى، وجت فى دماغه فكرة خير بسيطة جدا وقرر يكسب فى العمال دى ثواب.
عمنا «الزرزور» ورغم سنه الكبير راح جاب زلعتين ميه، وحطهم على الحمار، ومشى ورا الحمار بعصايته، لحد ما وصل عند العمال اللى بيبنوا قصر عابدين، وعمل شمسية وحط زعلتين الميه فى مكان قريب من القصر، هوب فجأة العمال العطشانين طلعوا يجروا على عمك «زرزور» عطشانين يا ولداه وريقهم ناشف، بس على مين؟! «حكيم زرزور» طيب آه.. بس إوعى تغرك طيبته!
فجأة اتعصب وزعق وقرر يوقف العمال طابور، طابور للزلعة اليمن وطابور قدام زلعة الميه الشمال، واللى يخالف الطابور عمك حكيم يمد العصاية ويضربه على إيده ويقول له بلغة دلوقتى يعنى احترم الطابور، ولما كان يغضب على حد من العمال بسبب الفوضى يخليه يشرب شوية من الزلعة اليمن وشوية من الزلعة الشمال.
وبقت الحكاية عى ده الحال، كل يوم «حكيم زرزور» ياخد الزلعتين على الحمار ويروح قدام القصر عشان يشرب العمال العطاشى فى الحر، ومع استمرار بنا القصر العمال بيزيدوا، وعجبته الحكاية وكبرت فى دماغه وبنى أوضة صغيرة وعمل فيها شوية زرع يضللوا على الميه وثبت أول زير ميه عشان العمال يشربوا منه.
تخلص الحكاية على كده؟!
لأ «حكيم زرزور» بقى يحط شروط غير إنك تقف محترم فى الطابور، كل لما حد يروح يشرب، يسأله إنت صليت؟ طيب صلى الأول وتعالى اشرب، وكل لما يلاقى واحد مش مهتم بنضافته الشخصية ينصحه وبقت فكرة حكيم البسطية مؤسسة خير تروى عطش العمال وتعلمهم حاجات تانية كتير.
ومن هنا كانت البداية، اتجمع واحد ورا التانى وبدأت عملية تنظيم بيع الميه من خلال وظيفة جديدة اسمها السقا، وسقا يظهر جنب سقا، بقت الحتة دى اسمها حارة السقايين، بس لما مات «حكيم زرزور» مات معاه النظام وفى يوم قامت خناقة كبيرة فى السوق وقرر الخديوى إنه يطور الفكرة وماحدش هيشتغل فى مهنة السقا إلا بتصريح وبالتالى مابقاش ينفع تروح تبيع الميه فى حارة السقايين.. ونعرف كلنا إن الخير من غير نظام يرعاه ممكن يتوه ويخطفه الطماعين.
بقلم
محمد الدسوقى رشدي