كشف التقرير السنوي لـ”مؤسسة التراث” الأميركية، والذي يتناول مؤشر القوة العسكرية الأميركية، عن نقصٍ في قدرات الجيش الأميركي وإمكاناته، وعن أزمة قيادة عميقة تواجهه. وبحسب التقرير، فإنّ النقص في القدرات والإمكانات يجعل القوات العسكرية الأميركية اليوم أضعف من أي وقتٍ مضى، وذلك منذ بدء نشر هذا التقرير السنوي قبل 10 سنوات، لافتاً إلى أنّ تراجع القوة العسكرية هذا “يكشف عن أزمة قيادة أعمق”. وأرجع التقرير حالة التراجع الحاصل إلى أسبابٍ اعتبر أبرزها “تخلي النخبة الأميركية عن جيلٍ كامل من الشباب”، مُشيراً إلى أنّ هذه النخبة “تتساءل الآن لماذا لا يرغب هؤلاء الشباب في تقديم التضحية القصوى”. وفي هذا السياق، رأت مؤسسة “التراث” أنّ “الخطوة الأولى نحو إعادة إثبات واشنطن نفسها على المسرح العالمي هي أن “يقوم الأميركيون العاديون بإعادة إثبات أنفسهم في أروقة السلطة والمطالبة بقيادةٍ جديدة”. وذكّرت المؤسسة في تقريرها بخطاب الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي ألقاه، في وقتٍ سابق، في ولاية بنسلفانيا، لافتةً إلى أنّه الموقع نفسه الذي عانى فيه الرئيس الأول للولايات المتحدة، جورج واشنطن، وفرقته المستنزفة من الجنود، من المجاعة والبرد الشديد في شتاء 1777-1778، وذلك بغرض الإشارة إلى محورية ومصيرية الانتخابات الرئاسية التي سيشهدها الشتاء المقبل. وأضاف التقرير أنّ موقع خطاب بايدن كان “بمنزلة تذكير آخر بمدى الضعف الذي أصبح عليه الجيش الأميركي تحت قيادته”، إذ إنّ الأميركيين يرون أنّ الانتخابات “لن تكون بشأن مفهوم مجرد (الديمقراطية)، بل ستكون بشأن سجلّ بايدن كرئيس”. والأسوأ من ذلك، وفق التقرير، هو أنّ “أعداء الولايات المتحدة أصبحوا أقوى خلال هذا العقد من التراجع”، فبينما “أهدر القادة السياسيون الأميركيون قوة واشنطن على حروب لا تنتهي في الشرق الأوسط، قام خصمها الأول، الحزب الشيوعي الصيني، بتوسيع قدراته. وهو الآن على وشك فرض هيمنته على منطقة المحيطين الهندي والهادئ”. وأضاف التقرير أنّ هذه الأزمة “تتطلب رجل دولة حقيقياً لديه ما يكفي من الثبات العقلي، والاستراتيجية الحكيمة، والعمل الحاسم الذي أظهره الجنرال واشنطن في فالي فورج – المكان الذي أقام فيه الجيش الأميركي القاري معسكراً خلال شتاء 1777-1778-“، ولكن، بعبارة ملطفة، “جو بايدن ليس جورج واشنطن، ووزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ليس الضابط العسكري في حرب الاستقلال ناثانيال غرين”. “قيادة بايدن الضعيفة” وفي هذا الإطار، عدّ التقرير أنّ “بايدن هو أيديولوجي نيوليبرالي ساهمت قيادته الضعيفة بشكل مباشر في الصراعات التي تشهدها اليوم أوروبا والشرق الأوسط”. وخلصت المؤسسة الأميركية في تقريرها إلى الإشارة أنّ جوهر الأزمة الأميركية الحالية هو أنّ “العقد الماضي من الانحدار العسكري ليس سوى أحد أعراض انهيار أوسع نطاقاً للحكم الذاتي في البلاد”. وفيما يُعاني الجيش الأميركي من مشكلة من انخفاض أعداد المجندين، أظهر استطلاع للرأي، أجراه مركز “بيو” الأميركي للأبحاث، أنّ أكثر من نصف البالغين تحت سن 30 عاماً، لديهم وجهة نظر سلبية تجاه الجيش الأميركي. وأورد الاستطلاع أنّ 53% من الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً يعتقدون أنّ الجيش له تأثير سلبي على الطريقة التي تسير بها الأمور في البلاد. وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، قد تحدثت في مقال نشرته، في شهر حزيران/يونيو الفائت، عن “أزمة التجنيد العسكري الأميركي”، مشيرةً إلى أنه “حتى المحاربون القدامى لا يريدون أن ينضم أولادهم إلى الجيش”. ورأت الصحيفة أن نقص التجنيد في الولايات المتحدة الأميركية يمثّل “مشكلةً طويلة الأمد” من شأنها، إذا لم يتمّ حلّها، “إجبار الجيش على تقليل حجم قوته”. وقد أصبحت هذه المشكلة “أكثر صعوبةً”، وفقاً للصحيفة الأميركية، مع بدء واشنطن “حقبةً جديدةً من منافسة القوى العظمى، مع الصين وروسيا”. يأتي ذلك في وقتٍ تواجه الولايات المتحدة صراعات في أوروبا والشرق الأوسط وتوترات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ما يحتّم على واشنطن حشد قواتها على جميع الجبهات، ويؤدي بالتالي إلى تفاقم نقاط الضعف في أجهزتها العسكرية في فترة سياسية دقيقة، وفق صحيفة “لوموند” الفرنسية. وفي هذه الأثناء، تتعرض قواعد الولايات المتحدة الأميركية في سوريا والعراق والمنطقة لضربات من المقاومة، كان أقساها تعرض القاعدة الأميركية عند الحدود السورية – الأردنية لهجوم بطائرة من دون طيار، والذي أدّى إلى مقتل 3 من أفراد الخدمة الأميركيين وإصابة نحو 40 آخرين. وكشفت هالي بريتسكي، المسؤولة في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في تصريح لـ”سي أن أن”، أنّ الهجمات المستمرة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا تسببت بمقتل ثلاثة جنود، وإصابة نحو 143 آخرين، بينهما إصابتان خطيرتان للغاية.