موقع مصرنا الإخباري:
“المستريح”… بالرغم من حداثة الكلمة على المجتمع المصري، إلا أن تلك “المهنة” أو “النصباية” لا تعد جديدة بل ظهرت كثيراً خلال العقود الماضية تحت عدة مسميات أخرى…لكن خلال الآونة الأخيرة عادت وبشكل لافت للانتباه على كل المستويات سواء النصب بالشركات أو حتى على الموظفين البسطاء، بل تطور ليشمل السيدات أو “المستريحة” كما يطلقون، ووصل أيضا للنصب الالكترونى على الشباب لجمع الأموال.
وفى هذا التحقيق تحاول الأخبار مناقشة جوانب تلك القضية، فهل هذا المستريح نصاب اعتمد على “فهلوته” لجمع الأموال أم هو مريض نفسي؟.. أم من الأساس الخطأ يقع على المواطن الذى يسعى وراء الربح السريع.
قديما أكد لنا أجدادنا أن “الطمع قل ما جمع” لكن يبدو أنه لا أحد يعى أو يتعلم من أخطاء الآخرين, فما بين مستريح يبدأ فى النصب على المواطن الشقيان لجمع أكبر كم من الثروات, لتكون نهايته خلف القضبان فى العادة, وبين مواطن يريد استثمار “شقى عمره” بطريقة مشبوهة وسريعة للحصول على أرباح مبالغ فيها, بقيت هذه الحكمة لا تجد من يعمل بها.
وعلى عكس المتوقع فعمل المستريح لم يبدأ بشكل بسيط, بل شهدت مصر “مستريحين” من “العيار الثقيل” كان مصيرهم خلف القضبان فى نهاية الأمر, وظن الكثيرون أن المواطن سيتعظ سواء من فئة المستريح أو من الراغبين فى المكسب السريع دون التأكد من مشروعيته, لكن التكرار فى هذه الحالة لم يعلم أحدا.
اللعب بالعقول
خلال الأيام القليلة الماضية ظهرت قضية جديدة لمستريح جديد أطلق عليه الأهالى ” مستر حسين”, استطاع اللعب بعقول أهالى قرى محافظة المنيا وجمع ما يزيد على مليار ونصف المليار جنيه أى 95 مليون دولار أمريكي, بحجة استثمارها فى التجارة وتصدير الرخام إلى الصين, بأرباح شهرية تصل إلى 25 فى المائة, لكنه سرعان ما تعثر فى سداد تلك الأرباح, وألقت الأجهزة الأمنية القبض عليه.
وفى هذه الواقعة لم يكن اقناع الاهالى صادر من “زغللة” الأعين بالربح فقط, بل استطاع المتهم أن يستعين بنصابين فى لعب دور رجال دين, لإقناع الأهالى أن الاستثمار فى البنوك حرام شرعا, وأن “تسعة أعشار الرزق فى التجارة”, وبالتالى أرباحهم معه مضمونة وحلال, وسريعا ما حقق بالفعل أرباحا كثيرة لكنه بعد 5 شهور فقط تعثر فى توزيع الأرباح فهرب مع معاونيه حتى سقط.
أشكال أخرى
لم تكن تلك “المهنة” أو النصباية حكرا على الرجال فقط, بل ألقت الاجهزة الأمنية القبض على عدد من “المستريحات” السيدات, بعد أن استغللن قدرتهن فى إيقاع العشرات من الضحايا من الرجال وربات المنزل, ليقنعوهم بالمتاجرة فى مجال الأحذية أو مستحضرات التجميل وأيضا الملابس, ثم يجمعن الملايين ويلذن بالفرار.
أما الشكل الجديد فهو “المستريح الإلكتروني” وتكون عبارة عن شبكات من المواطنين سواء من داخل مصر أو خارجها, يجيدون التعامل بشكل كبير مع فئة الشباب الباحث عن عمل ويتم اصطيادهم عن طريق “مجموعات البحث عن عمل” على مواقع الفيس بوك على سبيل المثال, ثم يتم اقناعهم ببدء الاستثمار بمبالغ قليلة ربما لا تتعدى 3 آلاف جنيه, ثم يفرون هاربين بعد جمع الأموال من مئات بل آلاف الشباب.
توظيف الأموال إليكترونياً أحدث وسائل النصب على المواطنين
شخصية ذاتية
السلبية واللامبالاة أبرز الصفات والعنف الشديد فى الطفولة سبب رئيسى
تواصلنا من جهتنا مع الدكتور جمال فرويز, استشارى الطب النفسي, لنحاول تحليل تلك الشخصية وكيف لها أن تنصب “بدم بارد” على كل هذا العدد من المواطنين, فأكد لنا أن شخصية المستريح سواء كان رجلا أم امرأة, تسمى “الشخصية المضادة للمجتمع”, أو “الشخصية الذاتية”, ومن خلال صفاتها الواضحة نستطيع أن نستنتج أن لديها ميولا قوية للنصب.
وأوضح فرويز أن من أبرز صفاتها السلبية واللامبالاة تجاه نتائج تصرفاته, وليس لديه مشاعر تذكر, فعادة لايهتم ماذا سيحدث لمن نصب عليه, سواء سجن أو مرض أو حتى أصيب بجلطة, فذلك لايؤثر فى مشاعره, بل الأكثر خطورة أن اللامبالاة وصلت إلى حد أنه من الممكن أن يسجن لمدة طويلة ثم يخرج للمجتمع ليعيد عمليات النصب من جديد كأن لم يكن.
وأشار فرويز أن تلك الشخصية تعتمد بشكل كبير على طمع الطرف الآخر, فبدون وجود هذا الميل لا يمكنه اللعب بأحد, فكلما كان المواطن أكثر طمعا كان فريسة سهلة لتلك الشخصية, لأنه ببساطة لا يجيد التعامل إلا معها.
الخبراء : سيكوباتى بالدرجة الأولى والفقر ليس متهما < القانون: يلعب على طمع الضحية ويخرج براءة لعدم توافر شروط النصب
وأكد أن هذه الشخصية تعد “سيكوباتية” من الدرجة الأولى, وتتكون نتيجة عدة أسباب من أبرزها الجينات الوراثية, وأيضا التربية الخاطئة منذ الصغر خاصة الدلال الزائد, أو تتكون نتيجة فقد أحد الوالدين أو العنف المتزايد بشكل كبير فى الطفولة, وأيضا يلعب حرمانه من القواعد الأساسية للحياة والمرور بخبرات حياتية سيئة من أبرز الأسباب, موضحا أن الفقر ليس له علاقة بالأمر, فالفقير يسعى لتحسين وضعه ويمكن أن يلجأ للنصب لكنه ليس لديه صفات الشخصيات السيكوباتية, إلا إذا كان لديه اضطرابات فى الشخصة من الأساس.
وأضاف أن هذه الشخصية بجانب النصب من المكن أن تلجأ للسرقة أو الإدمان أو العلاقات الشاذة أيضا.
تطبيق الشروط
من الناحية القانونية كان الأمر أكثر تعقيدا, فقضايا النصب لها شروط محددة يجب توافرها بالأوراق والأدلة مع المتهم إذا أراد أن يثبت الواقعة وهذا نادرا ما يتحقق كليا على أرض الواقع.
وخلال تواصلنا مع المحامى أحمد عبد الجليل, أكد أن انتشار ظاهرة المستريح فى تزايد كبير فلا تكاد قاعة محكمة تخلو يوميا من قضية نصب على الأقل, وأضاف قائلا ” صعوبة توافر كل شروط عملية النصب قانونيا أمر يشجع الكثير من ضعاف النفوس للنصب على المواطنين مرة وأخرى دون خشية أو خوف, كما أن العقوبة البسيطة إذا تم إثبات الأمر لا يجعله يرتد عن فعلته”.
وأشار إلى أن المادة الخاصة بالنصب فى قانون العقوبات هى المادة 336 وتتضمن شروطا لعملية النصب مثل أن تكون بالاحتيال أو استعمال طريق لإيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو إحداث الأمل بخصوص ربح وهمي, أو إيهامهم بوجود سند دين غير صحيح وغيرها, ومثل تلك الشروط على أرض الواقع لا يتوافر لها أوراق ومستندات صحيحة لدى المواطن ومن هنا فإن نسبة 70% من المستريحين يتم الحكم عليهم بالبراءة أو سنة بتهمة الشروع فى النصب, وأوضح أن ذلك يحدث بصفة يومية لكنه بين أشخاص وبعضهم, أما إذا كان الأمر قضية رأى عام, وشركات كبرى وشركاء فالأمر مختلف وهنا العقوبة عادة ما تكون كبيرة.
وأوضح عبد الجليل أن المستريح دائما ما يكون لديه أساليب مبتكرة فى عمليات النصب, لكن بدون وجود طمع وجشع من الطرف الآخر لن يفكر فى النصب عليه, لذا فإن الحل الأكثر فعالية هو أن يتعظ الموطن نفسه ولا يسع وراء الربح السريع غير المضمون, ويلجأ للاستثمار فى جهات الدولة الرسمية, لأإن ببساطة طمعه هو من أوصله لهذا الطريق, والقانون لكى يتم تغليط العقوبات به نحتاج لتحركات طويلة وعمل مضن وهذا لن يحدث بين يوم وليلة.
بيع الوهم
«الإفتاء»: على المواطن ألا ينخدع والاستثمار المحكم بقوانين الحل الأمثل
دار الإفتاء من جهتها كان لها رأى صارم فى هذه الأزمة, فأكد الدكتور شوقى علام, مفتى الديار المصرية, إن “المستريح” يبيع الوهم والكذب للناس, من أجل الوصول إلى مقاصده, مؤكدا أن “المستريح” اقترف العديد من المخالفات الشرعية, فهو لم يكن صادقا أو واضحا أو أمينا فى غرضه الذى يريد أن يغرى به الناس.
وأضاف علام, فى تصريحات له, أن هناك مخالفات كثيرة جدا يقترفها المستريحون فى تعاملهم مع الناس, لأنهم لم ينطلقوا من قاعدة الكسب الحلال, قائلا “إذا أردت أن استثمر أموالى فيجب أن يكون ذلك فى الاستثمار الآمن المحكم بقوانين منظمة له, ويجب أن يكون ذلك من خلال البنوك.. ولا فرق بين المعاملات العادية أو الإسلامية فى البنوك طالما أنها كلها فى إطار منظومة الدولة” وحذر الناس من الانخداع بالمظاهر الدينية للمستريح.
وأوضح علام أن البنوك بكل أنواعها والمؤسسات المالية مثل البريد, هى مؤسسات مالية لها شخصية اعتبارية – أى أنها ليست مثل الأفراد فى التصرف, وأنه لا ربا فى إيداع الأموال فى البنوك, لأن هذه البنوك تستخدم آليات مختلفة عن الأفراد, مبينا: “البنك لم يأخذ المال ليقترض من الأفراد.. ولكن ليدير هذا المال ويجريها فى عملية إدارة يعطى من خلالها الفائدة للمواطن وبناء على ذلك لا ربا فى هذه الحالة”.
وأشار المفتى إلى أن البنوك لا تُقرض المواطنين ولكن تعطيهم الأموال فى صورة تمويلات, سواء كانت لشراء شقة سكنية أو سيارة أو غيرها, ولا شُبهة فى ذلك, متابعا: “ولكن اللجوء إلى البنوك للاقتراض لأمور شخصية منها المأكل والمشرب دليل على الضعف المجتمعى, والمجتمع مسئول عن هذا الرجل الذى ذهب إلى البنوك للاقتراض من أجل الحاجات الأساسية, لأنه لم يجد أحدا يقرضه”.
قصة المستريح ليست جديدة على المجتمع المصرى ففى عام 1987 ظهرت “المرأة الحديدية” أو هدى عبد المنعم، لتجمع من المواطنين وتدان للبنوك هى وشركاؤها بنحو 12 مليونا و350 ألف جنيه، و4 ملايين و598 ألف دولار، بعد أن أقامت شركة للعقارات تحمل اسمها وتبيع الوهم للمواطنين.
وتمكنت المرأة الحديدة من الهرب لليونان، ومع ذلك صدرت ضدها أحكام غيابية بالحبس 60 عامًا فى 31 قضية، إلا أنه تم القبض عليها بعد عودتها لمصر بعد غياب 25 سنة وسقوط الأحكام.
الريان
يعد الريان هو القصة الأشهر للمستريح داخل المجتمع المصري، خاصة بعد أن تحولت قصته لمسلسل درامي، فقد اتهم “الريان” والذى توفى عام 2013 فى قضية توظيف الأموال عام 1989، وقضى على أثرها 21 عاما خلف القضبان.
عواد
كان هانى عواد قصة فريدة من نوعها فقد تخصص فى النصب على فئة الموظفين فقط وتمكن من جمع ما يقرب من 410 ملايين دولار من 20 ألف مواطن، من خلال مجموعة شركات “ستار كابيتال”، إلا أنه لاذ بالفرار إلى الخارج عام 2015.
الأحدث
أما أحمد مصطفى الشهير بالمستريح والمتهم بالنصب والاستيلاء على أكثر من مليارى جنيه من العديد من المواطنين، بزعم توظيفها فى مشروعات ضخمة، فيعد القصة الأحدث التى رجت الشارع المصرى عام 2016، إلا أنه تم القبض عليه وقضت محكمة الجنايات بسجنه 15 عامًا.
“أحمد مظهر”… أول مستريح مصري
لم تكن السينما المصرية بعيدة عن مناقشة قضية “المستريح” وذلك منذ عهد الأفلام “الأبيض والأسود”، فقد أبدع جليل البندارى فى تأليف فيلم “العتبة الخضرا” الذى أخرجه فطين عبد الوهاب، ليعرضا للمجتمع المصرى آنذاك قصة فى إطار كوميدى توضح اللعب بأحلام المواطن المصرى البسيط.
وظهر الفنان أحمد مظهر فى دور “المستريح” الذى استطاع إقناع “الصعيدى البسيط اسماعيل يس، بشراء ميدان العتبة الخضرا بدلا من المتاجرة فى الفاكهة، وذلك بالأموال التى جمعها لقاء بيعه لأرضه بالبلد.