تعيد المملكة العربية السعودية تموضعها ضمن القضايا الإقليمية بعد انتخاب جو بايدن، وظهر هذا في تدشين ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مرحلة جديدة من العلاقة مع جيرانه والقوى الإقليمية، عنوانها تقليل التوتر والبحث عن المصالح المشتركة، حيث تصالح مع قطر، وتبادل رسائل ودية مع تركيا، والآن يدير حوار متبادل مع إيران. والأمر هنا يتعلق بقوتين إسلاميتين وقفتا على طرف النقيض وتبادلتا عبارات العداء ودارت بينهما حروب بالوكالة في أكثر من بلد، ما يجعل إمكانية الصلح بينهما حدثًا محل دراسة.
دراسة للمركز الفرنسي للدراسات والبحوث الدولية اكدت انه أجرى مسؤولون سعوديين وإيرانيين كبار محادثات مباشرة في محاولة لإصلاح العلاقات”، وجرت الجولة الأولى من المحادثات في بغداد يوم التاسع من أبريل. وكانت الاجتماعات إيجابية وتعبر عن رغبة الطرفين في كسر الحواجز بينهما. ووردت الخارجية الإيرانية على تصريحات بن سلمان ايجاباً اذ صرحت بأن الطرفين يمكنهما “وضع خلافاتهما السابقة جانبًا وبدء فصل جديد من التفاعل والتعاون من خلال الحوار البناء”.
فرص الصلح
وتابعت الدراسة انه ساءت العلاقة بين الطرفين عام 2016 عندما أعلنت الرياض قطع علاقاتها مع طهران بعد هجوم متظاهرين على السفارة السعودية في العاصمة الإيرانية ردًا على إعدام الرياض لرجل الدين الشيعي المعارض نمر باقر النمر.
ويعود الخلاف الكبير بينهما إلى التوجه الديني بين المملكة السعودية التي تتزعم الإسلام السني وجمهورية إيران التي تتزعم الإسلام الشيعي، خصوصا منذ اتباعهما استراتيجية نشر نمط التدين السائد فيهما.
وقد احتك الطرفان أكثر من مرة مؤخرًا، منذ أحداث الربيع العربي من خلال الدعم الإيراني للمتمردين الحوثيين، وما تعتبره السعودية تشجيعًا إيرانيًا للحركات الشيعية في الخليج، ووصل التوتر حد اتهام طهران للرياض بمنع الإيرانيين من أداء الفريضة،لذلك هناك من يرى أن الصلح صعب بسبب هذه الخلافات العميقة، فمن الصعب جدًا أن تتحول العلاقة ما بين السعودية وإيران من الخصومة إلى الصداقة”، لأن المشكلة لا تتحدد بالاختلاف في المصالح السياسية والاقتصادية بقدر ما يمكن وصفه بصراع إيديولوجي بينهما”، كما أن هناك “تسابقًا كبيرًا على النفوذ والسيطرة بينهما، خصوصًا منذ تراجع دول في المنطقة كالعراق.
للمصالح كلمتها
ولفتت الدراسة انه ومع ذلك فلغة المصالح تجبر الفرقاء على التقارب، خصوصًا عندما يتبين أن استمرار العداء يعود سلبًا على البلدين. الظرفية الحالية تختلف كثيرًا مع وجود رئيس أمريكي، هو جو بايدن، يدفع نحو تحقيق تقدم في الملف النووي عكس سلفه دونالد ترامب الذي كان يحرّض دول المنطقة أكثر على مقاطعة إيران، وهو ما يظهر إدارة بايدن كما لو أنها تخلت عن حلفائها في الخليج، بالتوازي مع الرهان على مهادنة ايران.
حسابات السعودية
واوضحت الدراسة انه وقد جعل التقدم الحاصل في الملف النووي الإيراني السعودية تفكر في التقارب مع ايران مستبقة بذلك تداعيات أي اتفاق جديد حول النووي الإيراني تبقيها خارج الاتفاق.
لكن أكبر سبب للتقارب المحتمل بين الخصمين، هو حرب اليمن التي صارت عبئًا على السعودية خصوصًا مع استمرار التهديد الحوثي على حدودها والضغط الأمريكي عليها لوقف إطلاق النار، واستنتاج الرياض باستعصاء الحل العسكري، لذلك تسعى لانسحاب من اليمن يحفظ ماء الوجه،. كما أن مجيء بايدن وضع ضغوطًا كبيرة على الرياض خصوصًا مع إثارة إدارته لقضية مقتل جمال خاشقجي، ما جعل محمد بن سلمان يفكر في اعادة ترتيب المواقف، خصوصًا أن الدور الإقليمي للسعودية بين القوى الإسلامية تراجع في السنوات الأخيرة لصالح إيران وتركيا.
حسابات ايران
واختتمت الدراسة انه وقد دفع الرئيس الإيراني حسن روحاني في آخر أسابيع ولايته نحو إحياء الاتفاق الذي انسحبت منه الولايات المتحدة حتى ينهي معاناة بلاده سياسيا واقتصاديا. وايران المخنوقة اقتصاديا تسعى من جهتها الى التهدئة، ورفع العقوبات الاميركية والعودة الى الاتفاق النووي، وهي بحاجة ان لا تمارس السعودية ضغوطاً على الولايات المتحدة بشأن العودة للاتفاق ما يبقى العقوبات والخنق الاقتصادي خاصة بعد التقارب مع إسرائيل التي تعارض بدورها العودة للاتفاق النووي. وإيران بدورها تحتاج للمصالحة، إذ تدرك أن علاقة مثمرة مع السعودية تعني علاقات أفضل مع المحيط العربي. وقد نجحت إيران في مخططاتها الإقليمية كاستمرار نظام الأسد وسيطرة الحوثيين على صنعاء وتقوي نفوذها في العراق ولبنان، لكن ذلك أتى بتكلفة باهظة ضاعفت من أعدائها في المنطقة وفاقم من التوتر مع الولايات المتحدة.
المصدر اوان مصر