بعد ثورة 2011 وحتى 2013 شهدت مصر حالة من عدم الاستقرار، كان لها تداعيات كبيرة على الاقتصاد المصرى، حيث توقفت آلاف الشركات عن العمل، وتوقفت السياحة بشكل كامل، وتعطلت الاستثمارات الخارجية وقام العديد من المستثمرين الأجانب سواء أفراد أو مؤسسات بالخروج من السوق المصرى خوفا على استثماراتهم.
ومنذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي المسئولية وضع نصب عينيه إعادة الاقتصاد للعمل، وبدأ في أكبر برنامج للإصلاح الاقتصادي شهدته مصر، وتم تنفيذه بشكل حرفي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والعديد من المؤسسات العالمية ولاقى هذا البرنامج إشادات واسعة من كل المؤسسات العالمية، سواء من ناحية التشريعات أو الإجراءات الخاصة بإعادة هيكلة الاقتصاد المصري بشكل عام والنظام المالي بشكل خاص.
وبالتوازي مع تطبيق الإصلاح الاقتصادي، قام الرئيس بتنفيذ عدد هائل من المشروعات القومية لتنشيط الاقتصاد وإعداده للانطلاق مع أول فرصة لذلك، كان على رأسها مشروع قناة السويس الجديدة لتطوير محور قناة السويس ودعم قدرة القناة على استيعاب وخدمة التجارة العالمية وزيادة دخل القناة، ومشروع زراعة المليون ونصف مليون فدان لدعم الأمن الغذائي، بالإضافة إلى آلاف الصوب الزراعية، كما تم الإعلان عن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة وهى أكبر مدينة متكاملة وذكية في العالم، بالإضافة إلى إنشاء أكثر من 25 مدينة سكنية جديدة فى كل ربوع مصر، وإذا أردنا أن نرصد المشروعات التى تم تنفيذها لن نستطيع رصدها في أيام عديدة.
ورغم ضخامة كل هذه المشروعات، إلا أن العاصمة الإدارية ستظل هي المشروع الأكبر والأكثر أهمية والأكثر تكلفة وأكبر مشروع يراقبه العالم كله منذ أن بدأ، حتى أنه أصبح مادة للانتقاد من جانب بعض الجهات الكارهة والرافضة لتقدم مصر، فى الداخل والخارج، من الذين لا يستوعبون كيف استطاعت الحكومة المصرية تمويل وتنفيذ كل هذه المشروعات فى ظل ظروف محلية وعالمية صعبة جدا، وبدلا من أن يشيدون بأداء الدولة المصرية الجديدة، يحاولون تحويل الإنجازات إلى اتهامات.
ولعل من أبرز هذه الاتهامات هي القول بأن الدولة همشت دور القطاع الخاص لصالح مؤسسات تابعة للدولة، رغم أن القطاع الخاص نفذ أكثر 92% من كل منشآت العاصمة الإدارية، وساهمت مؤسسات الدولة في أقل من 8%، بالإضافة إلى عمليات الإشراف على التنفيذ.
كما ذكر مقال نشر في جريدة الفاينناشال تايمز أن الدولة تعتمد على قطاع واحد في النمو وهو قطاع العقارات، وهذا بالطبع خطأ من جهتين، أولهما، أن هذا المقال يتعامل مع قطاع العقارات المصري مثل نظيره في الدول الأوربية الذي تسبب في عام 2008 في “الأزمة العالمية” بسبب مشاكل الرهن العقاري، وهذا خطأ جسيم، لأن قطاع العقارات المصري يختلف تماما عن قطاع العقارات في أمريكا وأوروبا، وأهم اختلاف بينهما هو حجم الطلب على العقارات في كل من مصر من جانب، وأمريكا وأوروبا من جانب آخر، ففي مصر هناك أكثر من مليون حالة زواج سنويا تحتاج لمليون وحدة سكنية على الأقل سنويا، وكل الشركات التى تعمل في قطاع العقارات المصري لا تسطيع تلبية كل هذا العدد سنويا، لذلك هناك فجوة دائما بين العرض والطلب في مصر، وهذه الفجوة تحتاج إلى إنشاء مدن جديدة بشكل مستمر، وذلك على عكس الوضع في الخارج سواء في حجم الطلب أو القدرة على الإنشاء.
الجهة الثانية، هي أن هذا القطاع ليس مجرد قطاع واحد، فهناك أكثر من 55 قطاعا آخر يرتبط بهذا القطاع في مصر، مثل قطاع مواد البناء، الحديد والأسمنت والطوب، وقطاع الكهرباء والمواد اللازمة لتشطيب الوحدات، وقطاع الأثاث، والسيراميك، والدهانات، وغيرها الكثير، كما أن كل هذه القطاعات لديها قطاعات ترتبط بها أيضا مثل قطاع النقل اللازم لنقل هذه المواد، ومصانع الإنتاج وسلاسل التوزيع وغيرها.
واتهم المقال أيضا العاصمة الإدارية الجديدة بأنها تسببت في زيادة الدين العام بالنسبة إلى الناتج المحلى الإجمالى وهذا غير صحيح، حيث إن إجمالي الدين العام (داخلى وخارجي) إلى الناتج المحلى الإجمالى انخفض في عام 2015 إلى 85% مقابل 5 .90 % في العام السابق له، ارتفع في السنوات 2016 و 2017 ليصل إلى 103 % في العام 2017 ، وهذه الزيادة لسبب غير مرتبط بزيادة الاستدانة المصرية، حيث إن ذلك الارتفاع ناجم عن قرار تحرير سعر صرف الجنيه المصري، وحتى ذلك الارتفاع الناجم عن انخفاض قيمة الناتج المحلى الإجمالى نتيجة لقرار تحرير سعر الصرف قد تلاشي في السنوات التالية، حيث انخفض الدين العام في عام 2018 إلى 5.92 %وتابع الانخفاض في عام 2019 ووصل إلى 2 .84 % وهي السنوات التي شهدت تنفيذ مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، عاد الدين العام للارتفاع مرة أخري في عام 2020 نتيجة لاستدانة الحكومية لمواجهة جائحة الكورونا، وحدث ذلك في معظم دول العالم، ويعتبر ذلك الوضع طارئا وسيتلاشي مستقبلا بانتهاء جائحة الكورونا، حيث شهد الدين العام المصري ارتفاعا خلال عامي جائحة الكورونا (2020 ،2021 ) بنسب ) 6% و7.2 %على التوالي) وهي نسب جيدة بالمقارنة بدول أخري مثل (المملكة المتحدة، وأمريكا، واليابان).
وارتفعت معدلات النمو الاقتصادي خلال النصف الأول من العام 2019 إلى 5.6% مقارنة بـ 2.9% خلال العام 2014 ، وهي معدلات تعتبر الأعلى منذ عام 2008، كما شهدت معدلات التضخم تراجًعا ملحوظا، حيث استطاع البنك المركزي الحفاظ على معدل التضخم عند مستوى 5% وهي نسبة أقل من مستهدف البنك المركزى، بعد أن كانت قد بلغ أعلى مستوى على الإطلاق فى 2017 مدفوعة بتحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار.
أما معدلات البطالة فبلغت أعلى معدالتها عام 2014 منذ عام 1990 عند مستوى 13.4% وانخفضت كذلك بأسرع وتيرة خلال الأعوام التالية لتصل إلى مستوى 8.6% خلال عام 2019، ويرجع الفضل فى ذلك إلى ما تبنته الدولة من مشاريع قومية كبيرة في قطاعي التشييد والنقل والمواصلات إذ نفذت الدولة تريليونى لتشييد برنامج المدن الجديدة أهمها العاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة.
بقلم
محمود عسكر