إحساس الشبع في حد ذاته، ليس إحساسا يتولد نتيجة للأكل والشرب، فالهدف من فكرة الشبع نفسها، هو أن تمتلئ الروح بالمضمون الذى يغنيها عن كل شيئ، و لذلك فهناك نفوسا مهما علا شأنها، هي نفوسا جوعى، وشرهة لكل مسار أمام أعينها، أو كما يقول المثل الشائع :”اللى متعود أنه ياكلك، كل ما يشوفك يجوع”، والمثل معبر للغاية عن تلك النفوس، التي لا ترضيها الدفعات الخارجية المستمرة في أن تشبع نفوسها، وتظل طوال الوقت نفوس ناقمة، لا ترتضى بأي شيئ، لأن أهم مافيها غير موجود، وهو المضمون الحقيقى، ومع الوقت والتدرج غير المنطقى تصبح تلك الشخصيات الهيكلية، مجرد “جسدا بلا معنى” يعبر عن حيثيات ومواقع، ولا تقدم شيئا يذكر، أو تطويرا في الحد الأدنى ، بل إنها مع الوقت تصبح عبئا إضافيا على من دفع بها نحو تلك الحيثية، وتشغل مع الوقت أصحاب المضامين الفعلية عن عملهم، فيصير أصحاب المضامين السليمة والسوية، في موقع الانشغال بالقيل والقال، بدلا من الفعل والعمل، و مع الوقت أيضا تتوسع تلك الدائرة، وتتداخل مع دوائر أخرى، وبدلا من تحقيق مسار جديد، أو حتى الاطمئنان لمسار قائم، تصبح كل المسارات ملتهبة، والسبب هو الثقة التي تم منحها في يوم من الأيام لتلك النفوس الجائعة، التى لا يملآ عينها أي مكافأة، ولا يرضيها أي موقع، والتي تزاحم الجميع في كافة المسارات تقريبا، ولا تغفل عينها عن استغلال كل الطرق لتحقيق هدفها الواهي والمضر بالمجموع.
تلك الشخصيات الهيكلية، والمصطلح هنا مستنبط من القنابل الهيكلية، التي تم رصدها في السنوات الأخيرة، وهى عبارة عن جسم يتخذ شكل القنبلة، وحين تقترب منه تجده مجرد كيسا أسود أو شكل القنبلة لكنه بلا متفجرات، ويستهدف صناعة حالة من الذعر لدى المواطنين، مثله مثل بالونة الأرز التي كان نلعب بها ونحن أطفال، والتي تصدر صوتا و ضجيجا من بعض حبات الأرز الموضوعة داخل البالونة الكبيرة، وتتكشف حقيقتها أمام أصغر دبوس يواجهها، وتلك النماذج تتطابق مع مثال آخر يتم تداوله على السوشيال ميديا والتي تقول :” أن الأسماك تضع آلاف الكافيار غالى الثمن دون ضجيجا يذكر، وتضع الدجاجة بيضة واحدة زهيدة الثمن، فتملآ الدنيا صياحا، فلك أن تفعل مثل السمكة وتدع انجازاتك تتحدث عنك، أو تبيض مثل الدجاجة ولكن بدون صوت”، وبين الدجاجة والسمكة، وبين النفس الشبعانة والممتلئة بالمضمون الحقيقى، وبين النفوس الهيكلية، والمناصب المفرغة، يستوجب الأمر على المستقبلين مهما كان موقعهم، أن يدققوا في وجهتهم، ولا يتركون نفوسهم لأى دفع من أي مسار، أو حصار نفسى يلزمك على اختيار وجهة دون أخرى، فالحق أحق أن يتبع، حتى لو كان طريق الحق مليئ بالأشواك وبالشخصيات الهيكلية، التي تظن أن صفة مواقعها، تحجب العين عن عوراتهم الشخصية.
المصدر: اليوم السابع