موقع مصرنا الإخباري:
تواصل المؤسسات الاقتصادية والسياسية الأفريقية المختلفة الإعداد لتفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، وكان آخرها زيارة امكيلي ميني سكرتير عام اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، لجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية المصري.
وجاءت زيارة واميكلي ميني لجهاز حماية المنافسة المصري ضمن جهود تفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية، والتى نصت فى مادتها الرابعة على إدراج سياسات المنافسة وإزالة العوائق أمام التجارة فيما بين البلدان الأفريقية بشكل تدريجى.
ويبدو أن حلم المنطقة الحرة الأفريقية اقترب من التحقيق، فبعد سنوات من الإعداد فقد تم خلال قمة الاتحاد الأفريقى الاستثنائية الـ 13 الافتراضية (السابقة) فى جنوب أفريقيا صدور إعلان جوهانسبرج حول بدء التجارة بموجب الاتفاق المؤسس لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية اعتبارا من 1 يناير 2021 على أساس قواعد المنشأ المتفق عليها، وطالب الإعلان بتفعيل جميع وحدات المرصد الأفريقى للتجارة من أجل تعزيز سرعة توافر المعلومات التجارية والخدمات ذات الصلة.
ولعل هذا الإعلان كان هو الأهم خلال عام 2020، الذي شهد تضررا كبير في التجارة العالمية بسبب انتشار فيروس كورونا وما تسبب به من عمليات إعلاق كامل للأسواق العالمية أما بعضها البعض، مما تسبب في خسائر كبيرة لجميع الدول.
ومنذ سنوات يطالب الكثيرون من أهل الاقتصاد بضرورة أن تتجه الدولة المصرية أو على الأقل تعيد تواجدها المفقود في القارة الأفريقية الواعدة اقتصاديا بشكل تنبه له العالم أجمع، وللأسف تأخرت مصر كثيرا في إدراك ذلك، رغم وجود توجهات سابقة مثل حرص الرئيس عبد الناصر على التواجد المصرى فى أفريقيا، حتى أن مصر كان لها اليد الطولى فى أفريقيا على مدى عقود.
ولكن على مدار أكثر من 40 عاما بعد الزعيم عبد الناصر انسحبت مصر بشكل يكاد يكون كليا من أفريقيا، وخسرت قوتها الناعمة فيها، وظهرت مساوئ هذا الخروج عقب ثورة 25 يناير، حيث استغل الأثيوبيون حالة الفوضى فى مصر وبدأوا فى بناء سد النهضة الذى لم تجرأ على إنشائه قبلها، وساندها أغلب الدول الأفريقية فى ذلك، لسببين أولها الضعف الذي ظهر على مصر عقب الثورة من جانب، بالإضافة إلى انسحاب مصر من التواجد فى أفريقيا قبلها بعقود وتوقف المشروعات التى بدأها الزعيم عبد الناصر، بعدما توجهت مصر بقوة نحو أمريكا وأوروبا بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل.
وعقب الثورة الثانية فى 30 يونيو، بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسى استراتيجية سياسية جديدة تقوم على الانفتاح على أفريقيا من خلال التعاون المشترك مع كل دول القارة فى كل المجالات، سواء السياسة أو الاقتصاد أو التعليم أو السياحة وغير ذلك، بهدف تفعيل التعاون المشترك بين الأشقاء الأفارقة للحفاظ على موارد القارة لتكون لشعوبها فقط، والاستفادة من موارد القارة الهائلة لتنمية شعوبها.
وخلال السبع سنوات السابقة، تم بالفعل توقيع وتفعيل عشرات الاتفاقيات التجارية المشتركة، وإنشاء التجمعات الاقتصادية بين دول القارة، ومؤخرا تم التوقيع بين أكثر من 54 دولة أفريقية لإطلاق منطقة التجارة الحرة القارية تحت مظلة الاتحاد الأفريقى، هى اتفاقية تهدف إلى خلق سوق حرة بين 54 دولة أفريقية من “كيب تاون” فى أقصى جنوب أفريقيا إلى القاهرة فى أقصى شمال القارة السمراء، ويهدف الاتفاق لإزالة الضرائب الجمركية والقيود غير الجمركية أمام حركة التجارة الأفريقية، وخلق سوق لكافة السلع والخدمات داخل القارة، ويبلغ حجم السوق الأفريقى أكثر من مليار نسمة ويفوق حجم الناتج المحلى الإجمالى له عن 3 تريليونات دولار.
ويشمل الاتفاق إنشاء الاتحاد الجمركى الأفريقى وتطبيق التعريفة الجمركية الموحدة تجاه واردات القارة الأفريقية من الخارج، وفى مرحلة لاحقة إعلان اتحاد الدول الأفريقية، وهى أهداف لو تم تحقيها سيتغير شكل أفريقا من قارة التخلف والصراعات العرقية إلى أكبر منطقة اقتصادية فى العالم.
الصين وأوروبا وأمريكا تنبهوا إلى مستقبل أفريقيا مبكرا ووجهوا بالفعل مليارات الدولارات للاستثمار فى الدول المستقرة فى أفريقيا، حتى أن دول الخليج أيضا لها استثمارات ضخمة فى أفريقيا حاليا، رغم أنها فى الأصل هى أفضل سوق للمنتجات المصرية وكان يجب أن تكون مصر صاحبة أكبر استثمارات فى أفريقيا، لأسباب كثيرة أهمها أن المنتجات المصرية تعتبر متقدمة جدا بالنسبة للسوق الأفريقى وستلقى استحسانا كبيرا من الأفارقة بسبب عامل رخص الأسعار مقارنة بالمنتجات الأوروبية والأمريكية المثيلة.
كما أن قرب المسافة بين مصر ودول القارة وسهولة الوصول إليها سواء من البحر أو من النيل أو الطيران سيكون عاملا جيدا وتفضيليا للمنتجات المصرية فى أفريقيا، بالإضافة إلى أن مصر تربطها بأفريقيا علاقات قوية واتفاقيات كثيرة جدا فى مجالات التجارة وتم تفعيلها خلال السنوات الماضية، وكل هذه الميزات تجعل من أفريقا هى السوق الأكثر أهمية للمنتجات المصرية التى تشهد حاليا طفرة فى كل المجالات وتحتاج إلى سوق كبير ومتعطش لاستيعابها بدون عوائق أو قيود كثيرة مثل ما تتعرض له المنتجات المصرية فى أوروبا أو أمريكا لأسباب سياسية مثلا..فهل تتنبه الحكومة وتتجه بقوة لهذا السوق الواعد؟
بقلم
محمود عسكر