موقع مصرنا الإخباري:
التبذير أشد من الإسراف، فهو المغالاة فى تجاوز الحد، والتوسع فى الإنفاق على المعاصى والمحرمات والشهوات، فالتبذير هو الإنفاق فى الحرام، أو الإنفاق فيما لا يحرم ولكن بصورة فيها سفه شديد.
أما الإسراف فهو الإنفاق فى الحلال بصورة تزيد كثيرا على الحاجة والمعقول.
وعلى هذا، يكون التبذير أخص من الإسراف، لأن التبذير يستعمل فى إنفاق المال فى السرف أو المعاصى أو فى غير حق، والإسراف أعم من ذلك، لأنه ما جاوز الحد فى الحلال وغيره.
ولقد فرق الإمام الماوردى رحمه الله بين المفهومين، فقال: «السرف هو الجهل بمقادير الحقوق، والتبذير هو الجهل بمواقع الحقوق، وكلاهما مذموم، وذم التبذير أعظم، لأن المسرف يخطئ فى الزيادة، والمبذر يخطئ فى الجهل، ومن جهل مواقع الحقوق ومقاديرها وأخطأها، فهو كمن جهل بفعاله فتعداها».
وقد اهتم الإسلام بتحريم كل من الإسراف والتبذير، وذلك لما يترتب عليهما من أضرار اقتصادية واجتماعية على الفرد والمجتمع، فكل إسراف للمال بإزائه حق مضيع، كما قال الإمام الماوردى.
فعلى المستوى الاقتصادى، يؤدى كل من الإسراف والتبذير إلى التوسع فى الاستهلاك، ما يعنى اتجاه معظم الدخل للأغراض الاستهلاكية، والتى يمكن للفرد أن يشبعها بطريقة أقل تكلفة، إذا وضع فى الاعتبار مبدأ الرشد الاقتصادى.
وزيادة مستوى الاستهلاك تضعف بلا شك من مقدرة المجتمع الادخارية، التى تمثل القناة الرئيسة لتمويل الاستثمار، ويكون نتيجة ذلك، ارتفاع طلب المجتمع الاستهلاكى، الذى يؤثر بدوره على قدرة المجتمع فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كذلك يؤدى الإسراف والتبذير إلى زيادة النقد المتداول، وإذا لم يقابل هذه الزيادة إنتاج اقتصادى جديد، يقابل عمليات الإنفاق الزائدة عن الحاجة، أدى ذلك إلى التضخم، فيرتفع مستوى الأسعار وتنخفض قيمة النقود.
أما على المستوى الاجتماعى، فإن إسراف الأفراد وتبذيرهم لأموالهم، إنما يكون على حساب التزاماتهم الاجتماعية وحقوق الجماعة فى المال، ما يؤدى إلى تأكيد التمايز والتفاوت بين فئات المجتمع فى مجال الاستهلاك، وذلك يترك أثرًا سيئًا فى نفوس الفقراء الذين لا يحصلون على قوتهم الضرورى إلا بجهد.
كما أن الإسراف يؤدى إلى صرف الأموال الطائلة فيما لا يعود بالنفع إلا على صاحبها، وهو نفع هدر لأنه يزيد عن حاجته، وقد ينفق هذه الأموال فيما فيه ضرره وضرر الجماعة، بينما لو وجهت هذه الأموال لبناء المدارس أو الجامعات والمستشفيات لعاد النفع على الأمة بأسرها.
ناهيك عن الأضرار الصحية والأخلاقية والتربوية للإسراف، وهى كثيرة، ومن هنا فإن الإسلام يعتبر الجماعة كلها مسؤولة عن ظاهرة السرف، فهو يعتبر عيبا من عيوب النظام الاقتصادى والاجتماعى فى الأمة، لا مجرد عيب خلقى فردى، ولذا فإنه يكون من واجب الجماعة وضع القيود التى تكفل منع هذه الظاهرة.
ولهذا جاء الإسلام محددًا لوجوه الإنفاق المشروعة وناهيا عما عداها، بل ووضع الضوابط والحدود التى تكفل عدم صرف الأموال فيما لا ينفع.
وبذا تصان أموال الأمة على المستوى الفردى والجماعى، فلا يعبث بها سفيه، ولا تستغل فيما يضر الأمة.
وبذلك تؤتى الأموال أكلها الطيبة وثمارها النافعة، ونصل بالاقتصاد إلى أعلى درجة ممكنة من الازدهار الناتج عن الاستغلال الأمثل لموارد المجتمع، فتتحقق التنمية الاقتصادية التى من أهم عناصرها توفير الموارد والأموال اللازمة لتمويلها وإمدادها بكل ما هى فى حاجة إليه.
غير أن ذلك لا يعنى أن يبخل الإنسان على نفسه ويضن بأمواله عن متع الحياة الدنيا المشروعة، لذلك قرر الإسلام أن المسلم لا بد له من الاعتدال والتوسط عند انتفاعه بماله دون إسراف أو بخل لذا حرم الإسلام التقتير ونهى عن غل اليد وشحها وإمساكها للمال.
بقلم
د. محمد عبدالرحمن الضويني