أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش -اليوم الأربعاء- رفضه تحويل عائدات الضرائب (المقاصة) إلى السلطة الفلسطينية، وطالب بإقرار حزمة عقوبات عليها ردا على اعتراف النرويج وإسبانيا وأيرلندا بدولة فلسطين.
يأتي ذلك في وقت حذر فيه مسؤولون غربيون من “كارثة اقتصادية” في الضفة الغربية المحتلة إذا لم تجدد إسرائيل الإعفاء الضروري الذي تحتاجه البنوك الإسرائيلية للحفاظ على علاقاتها مع نظيراتها الفلسطينية.
وقال سموتريتش في بيان “لا أنوي تحويل أموال المقاصة إلى السلطة الفلسطينية من الآن وحتى إشعار آخر”.
والمقاصة أموال ضرائب وجمارك على السلع الفلسطينية المستوردة، تجمعها المالية الإسرائيلية وتحولها شهريا إلى رام الله، بعد خصم جزء منها، بدل ديون كهرباء ومستشفيات وغرامات ومخصصات تصرفها الحكومة الفلسطينية للأسرى والمحررين.
وخلال عام 2021، بلغ متوسط أموال المقاصة بعد الخصومات الإسرائيلية 700 مليون شيكل (220.8 مليون دولار) شهريا. وتشكل أموال المقاصة قرابة 63% من الدخل الشهري للحكومة الفلسطينية التي تعاني أزمة مالية حادة.
وأعلن سموتريتش أنه طلب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إقرار حزمة عقوبات بحق السلطة الفلسطينية، في ظل الاعترافات الجديدة بدولة فلسطين.
وطالب بـ”عقد اجتماع فوري لمجلس التخطيط في الضفة للمصادقة على 10 آلاف وحدة سكنية (استيطانية) بما في ذلك المنطقة إي1″ وهي أكبر مشروع استيطاني شرقي القدس المحتلة.
كما دعا سموتريتش إلى “إلغاء جميع تصاريح كبار الشخصيات لكبار مسؤولي السلطة الفلسطينية بشكل دائم، وفرض عقوبات مالية إضافية على كبار مسؤولي السلطة وعائلاتهم”.
وباعتراف البلدان الأوروبية الثلاثة -اليوم- ارتفع عدد المعترفين بدولة فلسطين إلى 147 دولة من أصل 193 عضو بالجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتنتقد إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة اعتراف الدول منفردة بدولة فلسطين، وتعارضان مساعي فلسطين للحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة، بدلا من وضع “دولة مراقب غير عضو” القائم منذ عام 2012.
فيتو
وفي أبريل/نيسان الماضي، استخدمت الولايات المتحدة (حليفة إسرائيل) حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار يوصي الأمم المتحدة بقبول عضوية دولة فلسطين.
ويأتي اعتراف النرويج وإسبانيا وأيرلندا بدولة فلسطين في وقت تشن فيه إسرائيل، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حربا على غزة خلفت أكثر من 115 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وحوالي 10 آلاف مفقود وسط مجاعة ودمار هائل.
وتواصل إسرائيل هذه الحرب رغم العدد الهائل من الضحايا المدنيين، ورغم طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزرائها ووزير دفاعها لمسؤوليتهما عن “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
كما تتجاهل إسرائيل قرارا من مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار فورا، وأوامر من محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير فورية لمنع وقوع أعمال “إبادة جماعية” وتحسين الوضع الإنساني بغزة.
وفي سياق متصل، حذر مسؤولون غربيون من “كارثة اقتصادية” في الضفة المحتلة إذا لم تجدد إسرائيل الإعفاء الضروري الذي تحتاجه البنوك الإسرائيلية للحفاظ على علاقاتها مع نظيراتها الفلسطينية.
ويسمح الإعفاء، المقرر أن ينتهي أول يوليو/تموز المقبل، بدفع مقابل الخدمات الحيوية والرواتب المرتبطة بالسلطة الفلسطينية، ويسهل استيراد الضروريات مثل الغذاء والماء والكهرباء إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
جهود تجديد الإعفاء
نقلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن 3 مسؤولين غربيين قولهم إنه بدون هذا الإعفاء، ستتوقف البنوك الإسرائيلية عن التعامل مع المؤسسات المالية الفلسطينية، وسيتوقف الاقتصاد الفلسطيني فعليًا بمرور الوقت.
وقال مسؤول أميركي “لا ينبغي تهديد حصول الناس على الغذاء والكهرباء والمياه في لحظة كهذه، خاصة في الضفة” مضيفا أن عدم تجديد الإعفاء “سيضر ليس فقط بالمصالح الفلسطينية ولكن أيضًا بأمن واستقرار إسرائيل والمنطقة”.
وقال مسؤولان غربيان إن واشنطن تقود الجهود الرامية إلى تجديد الإعفاء، وتطلب من الحلفاء ممارسة الضغط على حكومة نتنياهو، وقال مسؤولون بريطانيون إن المملكة المتحدة تشعر بالقلق بشأن هذه القضية.
وقال هؤلاء المسؤولون إنه من المتوقع مناقشة الأمر بالاجتماع المقبل لوزراء مالية مجموعة السبع هذا الأسبوع في إيطاليا.
وبينما يتعامل الاقتصاد الفلسطيني مع اقتصادات أخرى بعملات متعددة، فإن الاقتصاد يعمل رسميًا بالشيكل (العملة الإسرائيلية) وتمر المؤسسات المالية الفلسطينية عبر البنوك الإسرائيلية للحصول عليه.
وتمر ما يقرب من 8 مليارات دولار من التجارة بين إسرائيل والضفة عبر هذه القنوات كل عام، وفقًا لبيانات الحكومة الأميركية. ويشمل ذلك 2.3 مليار دولار من المدفوعات للغذاء، و540 مليونا للكهرباء و145 مليونا لخدمات المياه والصرف الصحي.
ومن شأن خسارة الإعفاء أن يعيق بشدة قدرة السلطة الفلسطينية على العمل ويشل النشاط الاقتصادي بالضفة التي يسعى الفلسطينيون إلى اعتبارها قلب دولتهم المستقبلية لكنها تخضع للاحتلال العسكري الإسرائيلي منذ عام 1967.
تأثير وقف الإعفاء
وقال المسؤولون إن انتهاء الإعفاء سيؤثر بشكل كبير على عمليات الاستيراد والتصدير، ومن المحتمل أن يتم تجميد أموال الضرائب الفلسطينية التي يتم جمعها في إسرائيل.
ولن تتمكن الشركات الإسرائيلية -التي لها علاقات تجارية مع السلطة الفلسطينية التي تمارس حكما ذاتيا محدودا في أجزاء من الضفة- من إيداع الشيكات الفلسطينية أو تلقي المدفوعات من البنوك الفلسطينية.
ولم يعد من الممكن للعمال الفلسطينيين في إسرائيل أن يحصلوا على أجورهم عن طريق التحويل المصرفي الإلكتروني.
وقال مسؤول غربي “إذا لم يتم تجديد الإعفاء سيؤدي ذلك إلى أزمة خطيرة من شأنها أن تؤدي إلى توقف النشاط الاقتصادي الفلسطيني في الضفة”.
وقبل اندلاع الحرب على غزة، كان الإعفاء يتجدد سنويا، ويعود هذا الترتيب إلى عام 2016، عندما بدأ مسؤولو الخزانة الأميركية تقديم رسالة سنوية إلى إسرائيل تتضمن تأكيدات بأن البنوك الإسرائيلية لن يتم استهدافها بمزاعم تمويل الإرهاب بسبب تعاملاتها مع الكيانات الفلسطينية.
وبعد تقديم الولايات المتحدة رسالتها السنوية، تصدر إسرائيل عادة التنازل الذي وقعه وزير ماليتها لبنكين إسرائيليين (ديسكونت وهبوعليم) اللذين يحتفظان بعلاقات مع المؤسسات المالية الفلسطينية ويزودانها بإمكانية الوصول إلى النظام المصرفي الأوسع.
تحرك سياسي
وقال مسؤول أميركي “لم يكن هناك ما يشير، قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول أو حتى قبل الأول من أبريل/نيسان، إلى وجود أي قضايا مشروعة من شأنها التشكيك في قدرة الحكومة الإسرائيلية على تجديد الإعفاء”.
ووصف التأجيل بأنه “تحرك سياسي صارخ، وليس تحركا قائما على تعزيز الأمن”.
وفي مارس/آذار الماضي، هدد سموتريتش بشل اقتصاد السلطة الفلسطينية بعد أن فرضت واشنطن عقوبات على 4 مستوطنين بالضفة متهمين بارتكاب أعمال عنف ضد الفلسطينيين.
وفي أبريل/نيسان، قال إنه “سيوقف من جانب واحد وفوري تحويل الأموال إلى السلطة الفلسطينية، وسيأمر بإلغاء الإعفاء للبنوك الإسرائيلية، إذا حصلت السلطة الفلسطينية على الاعتراف كدولة من قبل مجلس الأمن، أو إذا أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد قادة أو جنود إسرائيليين.
وكتبت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إلى المسؤولين الإسرائيليين للتعبير عن قلقها.
وقال مسؤولان غربيان وآخر غربي سابق إن تجديد الإعفاء قد تأخر في مناسبات سابقة بسبب قلق البنوك الإسرائيلية بشأن التعامل مع المقرضين الفلسطينيين.
المصدر : فايننشال تايمز + وكالة الأناضول