حذرت أوساط ليبية رسمية من تدخلات سلبية للإمارات في الانتخابات الليبية في ظل مساعي أبوظبي لتشكيل تحالف موالي لها ضمن أطماعها لكسب النفوذ والتوسع.
وأشارت المصادر إلى خطورة استضافة الإمارات أخيراً لقاءات منفصلة بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يقود مليشيات شرق ليبيا.
وقالت المصادر إن النظام الإماراتي يستهدف محاولة بناء حلف ليبي جديد في إطار التنافس الخارجي في مسار العملية الانتخابية وذلك بعد التراجع الكبير لنفوذ أبوظبي في البلاد.
وتشهد الانتخابات الرئاسية الليبية 2021 تعثرا وسط احتمالات باتت راجحة لتأجيل إجراء الاقتراع الرئاسي في وقته المحدد يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
وتداولت وسائل إعلام ليبية أنباء حول “وساطة سرية” تجريها دولة عربية تعتزم التواصل مع مترشحين بارزين في سباق الانتخابات الرئاسية لبناء حلف بينهم، دون تفاصيل أخرى.
وحاولت أبوظبي إقناع كل من الدبيبة وحفتر بأن يحصل خلالها كل طرف على ضمانات باستمرار نفوذه وسيطرته السياسية والعسكرية والمالية، وتشمل إخراج القذافي الابن (نجل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، سيف الإسلام) من المشهد، على أن تتم العودة إلى موضوع الانتخابات بعد عامين.
وأوردت صحيفة “العربي الجديد” من لندن أن الدبيبة زار الإمارات يوم الجمعة الماضي، فيما زارها حفتر في اليوم الموالي بعد مغادرة الدبيبة، مشيرة إلى أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق واضح حتى الآن.
وفي تعليقه على ذلك لفت الباحث الليبي في الشأن الدولي، مصطفى البرق، إلى أن “السياسة الإماراتية دوما تتبع استغلال الثغرات في مفاصل أي أزمة وتجيد التخفي وراء أطراف بعينها”.
وقال البرق إن “خيارات الدبيبة وحفتر في البقاء في السباق الانتخابي بعد بيان مفوضية الانتخابات عن عملية مراجعة الطعون بات مهددا وقبولهما بالتفاوض جاء بسبب ضيق الخيارات”.
واعتبر أن خطة الإمارات تتمثل في السعي لبناء حلف يمكنه أن يفرض نفسه على الواقع، فمن يمتلك السلاح والقوة على الأرض يمكنه أن يغير المعادلة من زاوية أنه لا يمكنه إقصاؤه من الانتخابات خصوصا اذا كان يمتلك شعبية وحظوظا”.
ومع ذلك أوضح البرق أن الدبيبة لم يعد يمتلك شعبية واسعة كذي قبل من جانب، ومن جانب آخر لا يعد شخصية ذات نفوذ في الأوساط المسلحة غربي البلاد.
وتابع البرق موضحاً “هناك أطراف أيضا إقليمية ودولية لن تسمح بمثل هذا الحلف، ولا أعتقد أن الدبيبة سيستمر في مشواره مع حفتر الذي خسر كل شيء ويراهن على التحالف معه إذا اتضحت لديه خيارات أخرى قوية لدى دول فاعلة في الملف الليبي”.
وختم البرق حديثه بالقول “هناك أطراف دولية وإقليمية أكثر حضورا وقوة كالقاهرة وموسكو والعواصم الأوروبية، وأخيرا واشنطن التي عادت بقوة، فلا يمكن لأبوظبي أن تنفرد بسياسة خاصة بها إلا إذا هدفت من هذه المساعي إلى فرض نفسها مجددا كطرف شريك في المعادلة الليبية”.
وأكد دبلوماسي ليبي رفيع اشترط عدم كشف اسمه أن لقاء قائد أركان الجيش التابع لحكومة الوحدة الوطنية، الفريق محمد الحداد، بالقائد المكلف بقيادة مليشيات حفتر، الفريق عبد الرزاق الناظوري، في سرت السبت الماضي، يندرج في إطار المفاوضات التي جرت بالإمارات.
وأشار إلى أن تصريحات الحداد والناظوري بشأن رغبة الطرفين في “توحيد المؤسسة العسكرية”، لا تعدو كونها تصريحات الإعلامية ولن تليها أي خطوة عملية أخرى إلا في حال نجاح أبوظبي في جمع الطرفين على اتفاق واضح.
ويُعرف الحداد بقربه من الدبيبة، وظهر الأخير بجانبه في عدد من المناسبات الخاصة بتخريج دفعات من مقاتلي الجيش الليبي كانت محل انتقادات من قبل ضباط وعسكريين تابعين لحفتر.
ويرجح الدبلوماسي الليبي ذاته ألا تلقى مساع الإمارات نجاحا بسبب الاختلاف الكبير في تركيبة القوات المسلحة في غرب ليبيا وعدم تبعيتها بالكامل لرئاسة أركان الحكومة، خصوصا الموجودة في مصراته والتي تتبع شخصيات منافسة للدبيبة كبعض الفصائل الموالية لوزير الداخلية الأسبق فتحي باشاغا، الذي ينحدر مثل الدبيبة من مصراته.
كما لفت لعوامل أخرى تتعلق بعدم قدرة الدبيبة وحفتر على ربط صلات قوية بمسلحي الجنوب الليبي لمنع سيف الإسلام القذافي من نفوذه في الجنوب الذي مكنه من الظهور علنا والترشح للسباق الانتخابي، بل وكسب حكم قضائي لصالحه ضد قرار مفوضية الانتخابات استبعاده من الانتخابات.
وبينما شدد الحداد والناظوري على أن اللقاء بينهما ليبي ودون “تدخل أجنبي”، أشارت مصادر مقربة من لجنة 5 + 5 إلى أنه جاء بالتنسيق مع اللجنة، سيما وأن اللقاء عقد في مقرها في مدينة سرت.
لكن أحد المصادر أشار إلى تراجع كبير في موقف اللجنة العسكرية بشأن الاجتماع، معتبراً أن “طلب الناظوري في تصريحات من اللجنة العسكرية أن تنظم إلى مسار الاجتماعات يؤكد تراجعها”.
وأضاف أن حالة الترحيب التي تلت اللقاء لم يصاحبها بيان من اللجنة العسكرية يوضح موقفها من اللقاء.
ورغم تصريحات الناظوري والحداد، إثر اللقاء، التي اختصرت مضمون الاجتماع في الذهاب إلى توحيد المؤسسة العسكرية، إلا أن مصادر مقربة من اللجنة العسكرية أكدت أن اللقاء كان للتباحث في ملف إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد.
وتابعت المصادر ذاتها، شريطة عدم كشف هويتها، أن “الناظوري أكد خلال اللقاء أن قيادة حفتر سترحّل على دفعات 300 مرتزق يقاتلون في صفوفها نهاية الأسبوع الجاري أو الأسبوع المقبل”. ورغم الترحيب من جانب اللجنة العسكرية بهذا الوعد إلا أنها بدت متوجسة من أهداف اللقاء غير المعلنة.
وفي انعكاس آخر لكواليس الصفقة الإماراتية أعلن نائب رئيس حكومة الوحدة الوطنية، رمضان أبوجناح، أن الحكومة لن تسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة، في رد ضمني على مواقف وتصريحات لأعضاء ملتقى الحوار السياسي بشأن ضرورة تكليف حكومة جديدة بديلة عن حكومة الدبيبة إذا تم تأجيل الانتخابات عن موعدها المقرر في 24 ديسمبر/ كانون الأول.
وأكد أبوجناح أن القضاء قال كلمته بشأن الطعون الانتخابية”، وطالب الليبيين بالمحافظة على “ما تحقق من استقرار عبر الانتخابات في ملتقى الحوار السياسي التي جاءت بحكومة الوحدة الوطنية للسلطة.
ويأتي ذلك كرد ضمني آخر حول مساعي شخصيات منافسة للدبيبة لاستبعاده مجددا، بناء على تعهده أمام ملتقى الحوار السياسي أثناء انتخابه رئيسا للحكومة الحالية بعدم الترشح للانتخابات.
المصدر: الامارات