أسرار وكواليس نهاية المركزية الغربية بقلم توفيق الناصري

موقع مصرنا الإخباري:

إن أقصى ما يهم الغرب هو استمرار المركزية الغربية في نهب ثروات الشعوب والمستعمرات القديمة والحديثة، ومنع أي حركة تحررية في العالم من تغيير هذه المعادلة.

وفي أول زيارة خارجية له بعد انتخابه للمرة الثالثة، اختار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي روسيا وجهة لهذه الزيارة حيث التقى بالرئيس بوتين أولاً في منزله كأصدقاء ثم في اجتماعات رسمية في اليوم التالي. وأثارت هذه الزيارة، بكل ما تحمله من دلالات جيوسياسية واقتصادية ومستقبلية، غضب الغرب الذي أبدى استغرابه من هذه الزيارة. ويأتي ذلك على الرغم من أن الرئيس بايدن، وفقًا لوسائل الإعلام الخاصة بهم، عقد اجتماعًا دافئًا مع رئيس الوزراء مودي خلال زيارته للولايات المتحدة العام الماضي، وربما بالغ في الاستقبال على شرفه على أمل الفوز على الهند بعيدًا عن روسيا، مما يظهر سذاجة غريبة وقراءة ما زالت تعتمد على تقييمهم للشعوب في عصر الاستعمار القديم.

ويظهر رد فعل الغرب غيابا تاما للوعي الذي تراكم لدى شعوب المستعمرات السابقة خلال هذه العقود، والحقيقة الصاعدة حول النظام الإمبريالي الغربي الذي يتميز بالنفاق ونهب ثروات الشعوب، وانكشاف المركزية الغربية لما هي عليه. إنها؛ مصدر كل الحروب وإبادة ملايين المدنيين العزل. وبات واضحا الآن أن الهم الأقصى للغرب هو استمرار المركزية الغربية في نهب ثروات الشعوب والمستعمرات القديمة والحديثة، ومنع أي من حركات التحرر في العالم من تغيير هذه المعادلة.

مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست بتاريخ 8 يوليو 2024 بعنوان “مودي يعانق بوتين في موسكو، مما يدل على العلاقات العميقة بين روسيا والهند” قال في أول سطرين معبرين: “على الرغم من جهود واشنطن لجذب رئيس الوزراء ناريندرا مودي وعزل الرئيس فلاديمير “بوتين، تظهر الزيارة استمرار العلاقات الوثيقة بين البلدين.” ويعيد المقال ذكريات الاستقبال الفخم والعشاء والثناء الذي تلقاه مودي في البيت الأبيض والتعبير عن أن العلاقة مع الهند هي واحدة من أهم العلاقات بالنسبة لبوتين. الولايات المتحدة.

لكن الأميركيين اليوم وجدوا أن مودي في روسيا، واصفا الرئيس بوتين بأنه “صديقه العزيز”، وأنهم يناقشون توثيق التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري وتنسيق الخطوات في عدد من المنتديات والمنظمات الدولية التي تشارك فيها الهند وروسيا. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: “لقد أوضحنا بشكل مباشر للهند مخاوفنا بشأن علاقتها مع روسيا”. ولا يسع المرء إلا أن يبتسم بسخرية وهو يقرأ مثل هذه التصريحات وغيرها التي تعبر عن عقلية الاستعمار التي لا تزال مهيمنة على السياسة الغربية. خيبة أمل الولايات المتحدة من علاقة الهند بروسيا وعلاقة مودي بالرئيس بوتين، خاصة وأن هذه الزيارة تزامنت مع اجتماع أعضاء الناتو في واشنطن، أظهرت أن الدول الغربية تحاول إخفاء الشمس بالغربال، لكن كيف يمكنها أن تفعل ذلك؟ الذي – التي؟

وبشكل عام، فإن رد الفعل الأمريكي على زيارة رئيس الوزراء مودي المهمة لروسيا وكل ما نتج عنها من توسيع آفاق التعاون والتفكير في مستقبل البشرية، وليس فقط مستقبل روسيا والهند، يظهر أن صناع القرار في الولايات المتحدة منفصلة عن الواقع. ويبدو أنهم لم يدركوا بعد أن الهند اليوم أصبحت قوة عظمى ولاعباً رئيسياً في السياسة العالمية ولا يمكن إبعادها عن أجندتها الوطنية من خلال عشاء فاخر. ومن الطبيعي أن يسعى رئيس الوزراء مودي إلى تحقيق مصالح بلاده في النفط الروسي بسعر تفضيلي، وكذلك كل ما يخدم مصالح بلاده ومكانتها العالمية في عالم المستقبل.

وكتب الدكتور المغربي عبد الإله بلقزيز، أستاذ الاستشراق المتميز وأحد البارزين والمفكرين في هذا المجال، مقالا بعنوان “نهاية الاستشراق”، أشار فيه إلى أن الظروف والمصالح والميزانيات والاحتياجات تغيرت أيضا في العالم. الغرب لهذا المجال وأنه استبدل بشبكة علاقات استخباراتية أو علاقات أخرى بين الغرب والدول التي يتناولها المستشرقون. لكن الأهم في هذا المقال هو الإشارة الفعالة إلى التغير في الدول والظروف والأهداف التي دعت وعملت على انتعاش وازدهار مثل هذا المجال المعرفي. وبما أن الأستاذ بلقزيز هو أفضل من تحدث عن المركزية الغربية ودحضها في كتاباته، ناهيك عن تداعياتها على الشعوب العربية ومن درسها وتأثر بها سلباً، فقد قرأت عنوانها “نهاية الاستشراق”، وكأنه يتضمن عنواناً آخر غير مكتوب، وهو «نهاية المركزية الغربية».

كل الأحداث التي نعيشها اليوم تشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى نهاية المركزية الغربية، رغم إنكار الدول الغربية لهذه الفكرة وتصرفاتها وتصريحاتها التي تنطوي على الوهم الكامن بأنها مركز الكون. ومن يقرر مساره . كما تزامنت زيارة رئيس الوزراء مودي إلى روسيا مع زيارة رئيس الوزراء المجري للصين ولقائه بالرئيس الصيني شي جين بينغ، الأمر الذي أثار غضب دول الاتحاد الأوروبي، إذ رأت في الزيارة خللاً في هيكلية الاتحاد، غير مدركة. وأن الانتخابات الأخيرة في فرنسا، بغض النظر عن موقفنا السياسي من هذه الانتخابات، تظهر أن الشعب الفرنسي يتوق أيضًا إلى التحرر من الهيمنة الأمريكية، وإلى احترام كلمته وقراره في شؤونه.

لقد أثبتت ردود الفعل العالمية على حرب الإبادة المدعومة من الغرب ضد المدنيين الفلسطينيين العزل في غزة للعالم أجمع أن المركزية الغربية وحشية حتى ضد مواطنيها إذا قرروا التهرب من القواعد والقوانين التي رسمها المجمع الصناعي العسكري. بالنسبة لهم. وقد تم قمع المعارضة بعنف وتم إسكات وسائل الإعلام. لقد أصبح الوضع الراهن جديراً بأقوى الديكتاتوريات في التاريخ.

وفي الوقت الذي يتخذ فيه المشرعون الأمريكيون إجراءات قانونية لإخفاء نتائج إبادة كيان العنصري للمدنيين الفلسطينيين في غزة، واستخدام الإعلام والسياسة للتغطية على جرائم الإبادة الجماعية البشعة، وحيث تعتزم الولايات المتحدة إرسال قنابل ضخمة إلى “إسرائيل” “لقصف بيوت المدنيين ومواصلة حرب الإبادة ضد المدنيين الفلسطينيين العزل… العالم الجديد يتشكل بعيداً عن أنظارهم وهمومهم بعد أن أدركوا خلال هذه الحرب الكاشفة أن النظام الدولي بقيادة الغرب قد وصل إلى حتمه”. نهاية.

وتشكل الدول الأفريقية اليوم تحالفا استراتيجيا على الساحل الأفريقي على أمل أن تنضم إليه دول أخرى، في حين اقترحت الصين خمسة مبادئ مهمة للتعايش مع الهند وميانمار، من عدم الاعتداء إلى المساواة والمنفعة المتبادلة وعدم التدخل. في الشؤون الداخلية. وفي هذه الأثناء، يعمل الرئيس بوتين على تطوير التكامل الثقافي والمعرفي الأوراسي وتحقيق التبادل والمنفعة الاقتصادية المتبادلة، بعيدًا تمامًا عن كل ما يريده الغرب أو يمكنه فعله.

في هذا الوقت بالذات، اكتشف الأشخاص الذين استعمرتهم الدول الغربية أن الفجوة بين ما يدعيه الغرب وما يفعله كانت واسعة. واكتشفت حركات التحرر المقاومة أنها أقوى مما تصورت، وأن العدو أضعف بكثير مما يدعي. وأدركت قوى المقاومة أنها قادرة، بالصبر والإصرار، على التغلب على أعتى القوى التي كانت حتى وقت قريب تعتبر لا تقهر. وفي هذا المناخ الدولي الجديد، الذي أذكته دماء المدنيين الفلسطينيين المقدسة، فإن سياسة الإنكار والاستنكار لن تعود بالنفع على الغرب. وعليهم أن يضعوا أقدامهم على الأرض ليكتشفوا أن ذلك يضرهم وأن النظام الوحشي الذي أقاموه بأسلحة الإبادة والتدمير لخدمة مصالحهم فقط لم يعد مستداما. إن الإنسانية اليوم في مكان آخر تعيد صياغة المستقبل من دون الغرب الذي غافل عنها وعن قيمها وتطلعاتها الأساسية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
قطاع غزة
الهيمنة الغربية
النظام العالمي المتعدد الأقطاب
التعددية القطبية
فلسطين
روسيا
الغرب
الهند
الإبادة الجماعية في غزة
ناريندرا مودي
غزة
رئيس الوزراء الهندي

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى